بقلم: هيو فان ستينز
خلال الأزمة المالية العالمية، وجدتُ أن إلقاء نظرة سريعة على التاريخ الاقتصادى خاصة من منظور الأسواق الناشئة أكثر فائدة من التحدث إلى صناع السياسية التقليديين المهووسين بالنماذج الاقتصادية غير المناسبة فى أوقات الأزمات.
ويعنى ارتفاع القومية الاقتصادية وتزايد التهديدات للعولمة أننى أجد نفسى أميل إلى استخدام أمثلة من الأسواق الناشئة مجدداً، ولا أستطيع منع نفسى من التفكير فى أن الاستثمار فى الأسواق الغربية قد يصبح أكثر فأكثر مثل الاستثمار فى الأسواق الناشئة.
ويتطلب الاستثمار فى الأسواق الناشئة تركيزاً شديداً على مخاطر الدولة والاقتصاد السياسى، ولطالما تجاهل المستثمرون فى الغرب المخاطر السياسية وركزوا على آفاق نمو القطاعات أو الشركات.
ومع ذلك، فإن احتمال عقد استفتاء جديد على استقلال أسكتلندا هو أحدث صدمة فى سلسلة صدمات ضربت النسيج المؤسسى فى الدول الغربية.
وتعد المراقبة الجيدة لقوة المؤسات السياسية وحوكمة الشركات ذواتا أهمية جوهرية فى نجاح الاستثمار فى الأسواق الناشئة، كما أن لها تأثيراً عميقاً على تقييمات الأصول وتوقعات النمو على المدى البعيد، وفى تقديراتنا يمكن أن تشكل المخاطر فى الدولة نصف عائدات المستثمر، ولا عجب إذن فى ازدهار أعمال تحليل المخاطر السياسية.
وتعلمنا الأسواق الناشئة أن القومية الاقتصادية تؤدى فى بعض الأحيان للنمو الاقتصادى، وفى الغرب، وبعد الاعتماد المفرط على السياسة النقدية، سوف تكون التغيرات المنعشة للتجارة والمعززة للسياسات المالية والتنظيمية موضح ترحيب، ولكن تشير تجربة الأسواق الناشئة إلى ضرورة الانتباه لآثار ذلك.
وفى المراحل المبكرة من البرامج، تكون إعادة تنشيط الاقتصاد إيجابية خاصة مع زيادة الوظائف، ولكن الأسواق الناشئة تنحرف عن المسار، ورغم نجاح بعضها بشدة، فإن الآخرين يعانون من تراجع فى الاستثمار وضعف فى الإنتاجية فى وقت لاحق، ويؤدى تفاعل الارتفاع فى التضخم وعدم المساواة إلى تغذية سياسات الغضب.
وتزداد تقلبات العملة مع القومية الاقتصادية، وأثبتت لنا الاقتصادات الناشئة أيضاً أن الحركات الشعبوية معدية، فعبر أوروبا، يمكن أن يكون للأحزاب الشعبوية تأثير مادى على الانتخابات فى هولندا، وفرنسا وإيطاليا، كما أن تأثير الانتخابات الأمريكية واستفتاء بريطانيا سيكون قوياً على السباقات الرئاسية الأوروبية.
وعادة يضع الشعبويون ضغوطاً سياسية أكبر بكثير على النسيج المؤسسى للدولة، ورغم أننا شهدنا تحديات متزايدة أقلها يتعلق باستقلالية البنوك المركزية، فنحن نفترض أن قوة المؤسسات الغربية سوف تنتصر بالأخير.
ومع ذلك، فإن المسار الحالى ليس كله سلبياً، لأن تهديد السياسات الحمائية قد يولد سياسات تعزز النمو المحلي، وهو أمر تحتاجه أوروبا بشدة.
والأمثلة التاريخية تستطيع أن تأخذنا إلى مدى بعيد، ولكن بجانب ظهور القومية الاقتصادية، هناك أيضاً تغيرات عميقة فى التكنولوجيا لها تأثير على العمل والثقافة والسياسة، وبما أن التكنولوجيا باقية، فسوف يستمر تأثيرها فى النمو، وقد تؤدى إلى زعزعة استقرار الأسواق والاقتصادات، وهو ما سيقود بدوره إلى توزيع مختلف للفوائد الاقتصادية والمالية.
وكان المبدأ الإرشادى الذى سيطر على المستثمرين فى السنوات الـ30 الماضية هو التقارب، سواء كان لحاق الأسواق الناشئة بتلك المتقدمة، أو لحاق اقتصادات أوروبا الشرقية والجنوبية بالغربية.
وساعدت برامج التيسير الكمى على قمع الانحرافات فى المسار، ولكن لا يمكن التعويل عليها لأكثر من ذلك، وإذا كنا سوف نستثمر فى عالم تقع فيه الانحرافات أكثر، فينبغى علينا الاستعانة بأدوات الاستثمار فى الأسواق الناشئة، بجانب فهم كيف تغير التكنولوجيا المجتمعات والأسواق.
إعداد: رحمة عبد العزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»