بقلم: يوكن هوانج
سيطرت قضايا التجارة والعملة على أجندة حكومة ترامب الاقتصادية مع الصين، وركزت خطة المائة يوم بين دونالد ترامب وشى جين بينج على تحسين اختلالات التجارة الثنائية.
ولكن خطوات ترامب باتجاه فرض ضرائب على واردات الصلب تشير إلى احتمال استمرار الصراع التجارى، ومع ذلك، فإن القلق الاقتصادى الأكثر أهمية يتعلق بنظام الاستثمارات الأجنبية الصارم لبكين الذى له تأثير سلبى على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.
وتوحى الحركات الشعبوية بأن الكثير من الاستثمارت الأجنبية المباشرة الأمريكية تذهب إلى الصين، ما يضر بالوظائف والتجارة الأمريكية، ولكن المثير للدهشة أنه رغم أن الدولتين أكبر اقتصاديين فى العالم، إلا أن لم تتعد الاستثمارات الأجنبية المباشرة الأمريكية فى الصين خلال العشر سنوات الماضية 1% إلى 2% من إجمالى الاستثمارات الأمريكية الخارجية.
وعلى النقيض تذهب حوالى 20% من إجمالى الاستثمارات الأجنبية الكورية الجنوبية واليابانية إلى الصين، فلماذا إذن تستثمر أمريكا القليل فى الصين؟
صعوبة جمع البيانات تفسر جزئيًا انخفاض الاستثمارات الأمريكية لأن معظم التدفقات العالمية للاسثمارات الأجنبية تتم عبر الملاذات الضريبية ما يعيق تتبع مصدرهم.
ولكن إذا نظرنا إلى الاتحاد الأوروبى الذى يضاهى الولايات المتحدة نظرًا لحجم اقتصاده (ناتجه المحلى الإجمالى يعادل 18 تريليون دولار)، وتجارته الثنائية مع الصين (تزيد على 500 مليار دولار)، سنجد أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الأوروبية تبلغ ضعف الولايات المتحدة عند حوالى 4% من الإجمالى.
ورغم ان الصين تمثل سوقا كبيرا وجذابا، فإن نقص مواردها الطبيعية بالنظر إلى عدد السكان، والمخاوف الأمنية، وضعف حقوق الملكية ينظر إليها كأسباب لضعف الاستثمارات الأمريكية المباشرة فى الصين، ولكن لماذا تنمو الاستثمارات الأوروبية فى الصين بصورة كبيرة؟ رغم أن عوائق دخول السوق واحدة.
والإجابة هى أن نقاط القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبى فى القطاع الصناعى كانت أكثر ملاءمة لحاجات السوق الصينية، وتتمثل أكبر صادرات أوروبا للصين فى الآلات، ووسائل النقل، والمنتجات الاستهلاكية الفاخرة، والمنتجات التى تستهدف الشركات الصناعية.
وقادت هذه القطاعات تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وساعدت على اختراق أوروبا للسوق، وعلى تأسيس قدرة إنتاجية محلية.
وبالمقارنة، كانت صادرات الولايات المتحدة للصين على مدار العقد ونصف العقد الماضيين تتمثل فى ثلاث فئات رئيسية: البذور الزيتية والحبوب، تليها المنتجات الفضائية، ثم النفايات المعاد تدويرها، ولم يؤد أي من هذه الفئات إلى استثمارات أجنبية مباشرة أمريكية.
وحتى وقت قريب، امتنعت «بوينج» عن افتتاح عمليات لها فى الصين، بينما لدى «آيرباص» الأوروبية مراكز تصنيع فى الصين منذ 2008، ووسعت الإنتاج هناك فى الوقت الذى تعزز فيه الصين خدمات الطيران المحلى.
وتوضح العلاقات التجارية مع الصين كيف تشكل مكونات التبادل التجارى تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويرحب السوق المحلى للصين بالواردات الصناعية والاستثمارات التى يوفرها الاتحاد الأوروبى، بينما يؤثر القطاع الخدمى المغلق فى الصين بالسلب على الولايات المتحدة حيث تعد الخدمات مرتفعة القيمة – خاصة فى تكنولوجيا المعلومات والقطاع المالى – أكثر أهمية.
وعلاوة على ذلك، فإن الكثير من الشركات الأمريكية الكبيرة ذات الوجود الكبير فى الصين مثل سلاسل الطعام السريع والفنادق تعمل بموجب حقوق امتياز ولا تمتلك الشركات الأمريكية المرافق المحلية ولكن تعطيهم رخص، لذلك لا تظهر بالضرورة فى أرقام الاستثمار الأجنبى المباشر الرسمية.
ووضعت منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية يدها على المشكلة حيث لدى الصين واحد من أكثر أنظمة الاستثمار الأجنبى المباشر تقييدًا فى العالم خاصة فى قطاع الخدمات خاصة الاتصالات، والقانون، والتأمين، والتمويل، وهى مجالات ذات اهتمام كبير للشركات الأمريكية.
وخضعت اتفاقيات الاستثمار الثنائية للتفاوض لسنوات عديدة بين بكين وكل من الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبى تعثرت بسبب خروج بريطانيا، أما حكومة ترامب تقاوم أى اتفاق سوف يشجع الشركات الأمريكية على الاستثمار بالخارج.
وبالنسبة للكثير من الشركات الأمريكية والأوروبية العاملة فى الصين أو تأمل أن تعمل فيها، سوف يخلق تحرير سياسات الاستثمار الأجنبى المباشر فى الصين فرصًا تجارية تولد المزيد من الوظائف فى الموطن، لذلك، فإن التحرك باتجاه اتفاقية استثمار ثنائية ينبغى أن يكون فى أعلى أولويات الولايات المتحدة وأوروبا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»