الخاسر الأكبر من المواجهات الدامية يوم الجمعة هو الرئيس محمد مرسى.
كنت أعتقد أن العدو الأكبر للرئيس هو الاقتصاد ومشاكله «المتلتلة»، لكن لم أكن أدرك أن البعض فى جماعة الإخوان المسلمين يشكل الخطر الأكبر عليه وعلى مستقبل مصر بأسرها.
هذا الاعتقاد تحول الى يقين عندما رأيت بعينى ما حدث فى ميدان التحرير، وبعد أن قرأت حوار الاقتصادى البارز الدكتور حازم الببلاوى لجريدة الوطن فى نفس اليوم بعنوان «الرئيس له عدوان.. أعوانه من جماعته والاقتصاد».
«نفسى ومنى عينى» معرفة اسم العبقرى الذى اقترح فكرة نزول الإخوان للتظاهر فى نفس المكان والزمان الذى تتظاهر فيه قوة منافسة أخرى ضد الإخوان. لماذا لم ينظم الإخوان مظاهرتهم فى يوم آخر، أو فى مكان آخر؟!. نحن لسنا راسخين فى الديمقراطية مثل السويد أو سويسرا لننظم مظاهرتين متضادتين فى مكان واحد معا.
صحيح أن الميدان ليس حكرا على أحد كما يقول بعض الإخوان لكن هل من الحكمة أن أنزل الميدان فى اللحظة التى أعرف أن خصمى السياسى هناك، وهل يقبل الإخوان أن يأتى خصومهم الليبراليون لمزاحمتهم فى مكان يتظاهرون فيه من أجل قضية تخصهم؟!. أليس ذلك وصفة جاهزة للفتنة؟. عندما اكتشف الإخوان أن هناك كارثة فى الميدان بعد تكسير منصة التيار الشعبى، وإصابة العشرات قالوا نحن لم نكن هناك ولم نكسر المنصة، وأن الطرف الثالث هو الذى فعل ذلك؟!. إذن نحن نعيد استنساخ نظام مبارك والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
مساء الجمعة سمعت مسئولا إخوانيا يقول للزميل خيرى رمضان إن البلطجية هم الذين كسروا المنصة.. طيب يا سيدى لماذا تذهبون إلى مكان يحتمل أن يكون فيه بلطجية وبالصدفة يتخذون موقفا مناصرا لكم؟!، ثم أين هى أجهزة الحكومة الإخوانية لكشف هؤلاء البلطجية.. هل سنعيد ترديد نفس الاسطوانة المشروخة التى كان يشكو منها الإخوان قبل وصولهم إلى السلطة؟!.
أخطر رسالة يمكن فهمها من موقعة المنصة هى أن جماعة الإخوان تقول لمعارضيها إننا سنلاحقكم ونضربكم بأيدى شباب ميلشيا الجماعة أو بأيدى الطرف الثالث إذا تظاهرتم ضدنا او ضد الرئيس.
هل اتخذ التيار المسيطر داخل الإخوان قرارا استراتيجيا بقمع أى معارضة.. وهل يوافق الرئيس على ما حدث؟!.
يفترض أن مرسى إخوانى لكنه عندما تولى الرئاسة صار رئيسا لكل المصريين بمن فيهم المختلفون معه؟!.
ما رأيته بأم عينى هو أن المعارضين لمرسى وللإخوان زاد يقينهم بأن النتيجة الوحيدة للثورة هى أنهم كان يحكمهم حاكم مستبد تم خلعه بسهولة، لكن الذى حل محله جماعة مستبدة قد يصعب إزاحتها خصوصا إذا قررت أن تتصرف بمنطق الميليشيات وليس الحزب السياسى.
تقديرى أن هناك أشخاصا داخل الإخوان أساءوا كثيرا إلى مرسى سواء بحسن أو سوء نية بما فعلوه يوم الجمعة، والبعض يتحدث عن انقسامات داخل الجماعة، ذات صلة بانتخابات رئاسة الحزب قد تكون سببا فيما حدث، وقد يكون السبب هو انعدام الخبرة بإدارة الدولة، إضافة إلى نقص الكفاءة، والتصرف بمنطق العشيرة والقبيلة والجماعة وليس بمنطق «دولة لكل مواطنيها».
فى السابعة والنصف مساء الجمعة غادرت ميدان التحرير حزينا على وجود فريقين كانا معا فى الثورة، ثم انتهى بهما الأمر يسبان بعضهما بألفاظ نابية، ويصطفان كعدوين يتبادلان الأحجار والمولوتوف وأحيانا الخرطوش، أحدهما يكسر منصة الثانى ويصيبه فيرد الآخر بحرق أتوبيسات الأول. فهنيئا لمبارك وأنصاره.
كان الله فى عون مرسى من بعض أنصاره، أما أعداؤه فأظن أنهم أقل خطرا من أصدقائه.
بقلم :عماد الدين حسين -الشروق