بقلم: دانيل جروس
رغم أن العديد من الحكومات الأوروبية أعلنت تخفيض النفقات وزيادة الضرائب، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى تستمر فى التدهور، لذلك، إذا كان الهدف من التقشف هو تخفيض معدلات الدين، فإن من انتقدوه على حق فى أن ربط الحزام المالى قد فشل، ولكن الهدف من هذه الإجراءات لم يكن فقط لتحقيق الاستقرار فى نسب الديون.
وفى الواقع نجحت إجراءات التقشف فى بعض الحالات، فألمانيا، على سبيل المثال، عانت من ارتفاع مؤقت فى العجز المالى بحوالى %2.5 اثناء الركود العالمى فى 2009، ثم لم يكن للتقليص السريع للعجز أى تأثير سلبى يذكر على النمو.
لذلك من الممكن تقليص العجز والسيطرة على نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى بشرط ألا يبدأ الاقتصاد هذه الإجراءات باختلال كبير وأن يعمل النظام المالى بشكل صحيح، ومن الواضح أن الدول الطرفية فى منطقة اليورو لم تقبل أيا من تلك الشروط.
وليس أمام الحكومات التى فقدت الوصول إلى أسواق التمويل العادية مثل اليونان وأيرلندا والبرتغال أو تلك التى تواجه أقساط ديون عالية وخطيرة مثل إيطاليا وأسبانيا فى 2011 ـ 2012، إلا تقليص الإنفاق العام أو الحصول على تمويل من الجهات الرسمية مثل صندوق النقد الدولى أو آلية الاستقرار الأوروبي.
ولذلك لا يعتبر التقشف فى الدول الطرفية خيارا وإنما ضرورة لضمان القدرة المالية للحكومات، ويفضل الاقتصاديون عدم ربط القدرة المالية بالدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالي، وإنما علاقتها الكبيرة بالدين المتعلق بالإيرادات الضريبية المستقبلية.
وبذلك ترتبط القدرة المالية لحكومة ما على توقعات النمو على المدى الطويل بقدر أكبر من نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالي.
ويؤدى تخفيض العجز فى الموازنة إلى تراجع الناتج المحلى الإجمالى على المدى القصير بقدر أكبر من التخفيض فى العجز وهو ما سوف يساهم فى زيادة نسبة الدين للناتج المحلي، أما تخفيض النفقات سوف يؤدى إلى ارتفاع الناتج المحلى الإجمالى على المدى البعيد حيث يسمح بضرائب أقل وبالتالى تخفيف الاختلالات الاقتصادية.
ومن المفترض أن تكون إجراءات التقشف مفيدة للقدرة المالية للحكومة على المدى البعيد حتى إذا تسببت فى تدهور نسب الدين إلى الناتج المحلى الإجمالي، ولذلك لا يجب تفسير الزيادة الحالية فى تلك النسب بدول أوروبا الجنوبية على أنها فشل لإجراءات التقشف.
ويصاحب إجراءات التقشف إصلاحات هيكلية تعمل على زيادة احتمالات النمو طويل المدى للدول، كما أن الإصلاحات فى نظام المعاشات سوف يساهم بشكل كبير فى تخفيض التكلفة المالية للشعوب المسنة.
والأهم من ذلك هو نجاح التقشف بشكل كبير فى استعادة التوازن الخارجى للدول الطرفية بمنطقة اليورو حيث تتحسن بسرعة كبيرة الحسابات الجارية لدول منطقة اليورو الجنوبية وسوف تتمتع قريبا بفائض باستثناء اليونان، وهذا التحول الجوهرى ساعد فى تقليل مخاطر أقساط الديون العالية خلال العام.
ويعد الجانب الخارجى فى الديون أمراً بالغ الأهمية، فإذا كان الدين العام مملوكا لمستثمرين محليين، يمكن تمويله من خلال الضرائب التى تفرض على الناتج المحلى الإجمالي، أما الديون الخارجية لا يمكن تمويلها سوى من خلال الصادرات.
ونتيجة لذلك، فإن المتغير الرئيسى للدول التى تعانى من عجز كبير فى الحساب الجارى ـ وبالتالى تتحمل عبء ارتفاع مستويات الدين الأجنبى ـ ليس نسبة الدين إلى الناتج المحلى وإنما نسبة الدين الأجنبى إلى الصادرات.
ويتضمن التقشف عادة تكلفة اجتماعية باهظة، خاصة بالدول المسرفة التى فقدت ثقة المقرضين الأجانب، وتتحسن ـ حالياً ـ أسس التعاملات الخارجية للدول الطرفية بسرعة كبيرة، ولذلك فإن إجراءات التقشف نجحت تماما فيما كانت
مصممة له.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت