غطى حادث كنيسة وراق العرب المؤلم على أى احتفالية إعلامية بنجاح مساعى المخابرات الحربية فى الإفراج عن السائقين المحتجزين فى ليبيا، واحتل عناوين الصحف ونشرات الأخبار والبرامج. وبغض النظر عن كون هذا مقصوداً أو لا، فلا بد أن نهلل لهذا الجهد المشكور وفى ذات الوقت بحيث لا نحمله أكبر من حجمه. فمصر لزاماً عليها أن تنتفض لنصرة أبنائها ودرء الأخطار عنهم مهما كان الأمر. ولهذا أقول أحسنتم يا رجال المخابرات الحربية.
وأحسنتم يا شيوخ القبائل الذين دخلوا على الخط لحل الأزمة وتبقى أن نجد إعلاناً صريحاً بشأن الخطوات التى ستقدمها السلطات المصرية لقبائل الليبية بخصوص ما طالبت به. لأننى لم أفهم بالضبط ما معنى دور التوسط لدى السلطات القضائية المصرية لبحث الأمر وتبيان مدى صدق مزاعم الليبيين بالظلم الذى وقع على ذويهم المحبوسين بحكم محكمة.
وانتقل لوزارة الخارجية حيث ساءنى جداً موقفها غير الجاد من الأزمة والذى أنقله للقارئ من التعبيرات الساخطة لأهالى السائقين قبل انفراج الأزمة. فقد راعهم أن الوزارة ليس لديها ولو معلومات دقيقة عن أعداد المحتجزين، وأنها لا تستطيع أن تقدم لهم شيئا! وأعتذر من سعادة السفير الذى حدثته فى الموضوع فكان رأيه «وهى الخارجية حتعمل لهم إيه». فإذا كان هذا رأى أحد رموز الخارجية السابقين وإذا كان يتطابق مع القائمين على أمر الوزارة حالياً، فربما حان الوقت لتجديد الدماء والفكر وطريقة التعامل مع ثوابت العمل الدبلوماسي.
والآن إلى السائقين، فهؤلاء – وبغض النظر عن الخطف والاحتجاز – يشكون مر الشكوى من المعاملة السيئة التى يلقونها فى ليبيا أثناء نقلهم للبضائع. فما بين اتاوات ورشاوى لموظفين رسميين هناك قطع طرق من قبل مسلحين فى ظل حالة الانفلات الأمنى الليبية التى قد لا تختلف كثيراً عن الحالة المصرية فى وقت من الأوقات. «لا تعايرنى ولا أعيرك». ولكن ما يزيد هو التعرض للإهانة والضرب وفى بعض الأحيان القتل كما حدث لبعض سائقى الشاحنات. ومنهم من أقسم ألا يعود مجدداً إلى ليبيا، ومنهم من طالب بعد الافراج عنه ودخول الأراضى المصرية بإغلاق الحدود لأجل غير مسمى حتى يعرف هؤلاء قيمة المصريين. ولكن الغريب أن فى نفس الوقت الذى كانت الحدود فيه مغلقة حتى انتهاء أزمة المحتجزين كان هناك تكدس من قبل سائقين يريدون الدخول للأراضى الليبية لتسليم شحناتهم رغم علمهم بوجود زملاء لهم قيد الاحتجاز. أتفهم طبعا أن المصرى حريص على لقمة عيشه والسائقون عليهم أقساط للسيارات والأمن قد لا يتوفر لهم على الطرق فى مصر أو فى ليبيا ولكننى فى نفس الوقت أتفهم موقف مصر من عدم إغلاق الحدود مع ليبيا.
وفى رأيى أن سائقى الشاحنات يستطيعون أن يتنوا موقفا بأنفسهم، فهؤلاء هم من تصدوا لقرارات حكومة مبارك بعدم تحويل المقطورات وأجبروا الرئيس المخلوع وقتها على مد المهلة لهم من خلال الإضراب الشهير. وقتها أجبر السائقون المشاركون فى الإضراب زملاءهم على الدخول فيه عنوة، فماذا لا تفعلونها الآن يا أسطوات فيما يخص مقاطعة الذهاب إلى ليبيا؟ هذا ليس تحريضا فنحن لا نستغنى عن صادراتنا إلى ليبيا ولا ليبيا تستغنى عن البضائع المصرية ولكن كما يقول السائقون «إحنا ما بنشحتش منهم». وأطالب كذلك السلطات المصرية بالكشف عما إذا كان ما يتعرض له السائقون مدبر وممول من قبل دول الجوار المتوسطى من أجل أخراج السلع المصرية من السوق الليبية لصالح شركاتهم أو احراج الحكومة المصرية لصالح انتماءات حكوماتهم.