بقلم: مايكل سبينس
ساهمت تجربة الاقتصادات المتقدمة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 فى تعدد المناقشات حول سرعة النمو والعمالة والمساواة فى الدخل، وينبغى ألا يندهش هؤلاء الذين يتوقعون تعافى سريع نسبيا بعد الأزمة، من أنه كلما تبقى الأشياء تغيرت.
وبعد انهيار النظام المالى بقليل، تبدد التوافق بشأن حدوث التعافى الدورى الطبيعى بعد الأزمات بسبب مدى الضرر فى الميزانيات وتأثير تقليل الائتمان على الطلب المحلي، وبرغم تقليص مديونيات البنوك الجارى حالياً، فإن التأثير الإيجابى على النمو والعمالة كان مخيبا للآمال.
ومازال نمو الناتج المحلى الإجمالى فى الولايات المتحدة دون المعدلات المحتملة، كما أن معدلات النمو فى أوروبا لا تذكر.
ومازالت نسبة العملة منخفضة ومتأخرة عن نمو الناتج المحلى الإجمالي، وهو النهج الذى بدأ منذ ثلاث فترات ركود ماضية على الأقل، بل وأصبح أكثر وضوحاً مع كل تعافى، وفى أكثر الاقتصادات تقدما، لم تولد القطاعات التجارية والصناعية التى تتداول منتجاتها دوليا سوى عدد محدود من الوظائف، وهى مشكلة انتهت عام 2008 بعد تعيين الكثيرين فى القطاع غير التجارى مثل الحكومة والرعاية الصحية والبناء والتجزئة.
وفى ذات الوقت، سبقت الاتجاهات السلبية فى توزيع الدخل للأزمة واستمرت بعدها، وفى الولايات المتحدة اتسعت الفجوة بين منخفضى ومتوسطى الدخل بنحو 20.000 دولار.
ويساهم النمو فى تركز الثورة، مع التفاوت الشديد فى جودة التعليم، وتراجع الحراك الاقتصادى بين الأجيال ما يهدد الانصهار السياسى والاجتماعي، ولطالما كان هناك ارتباط تاريخى بين عدم المساواة والاستقطاب السياسي، وهو أحد أسباب نجاح استراتيجيات النمو فى الدول النامية التى تعتمد بشدة على الشمولية.
كما أن التكنولوجيات التى توفر فى عدد العمالة وتغير أنماط التوظيف من بين العوامل المهمة لعدم المساواة، كما تختفى الوظائف الروتينية وتتحرك الوظائف منخفضة القيمة نحو مجموعة من الاقتصادات النامية.
وتسبب كل ذلك فى توترات وذعر وارتباك، ومع ذلك فإن الركود فى الدول المتقدمة ليس حتمى، ويتطلب تجنبه للتغلب على مجموعة كبيرة من التحديات.
أولا، التوقعات ليست على صلة بالواقع، فالتأثير الكامل لتخفيض المديونيات، والإصلاحات الهيكلية، وتخطى مشكلات الأصول الملموسة وغير الملموسة من خلال الاستثمار يتطلب وقتاً.
وفى أثناء ذلك، يحتاج أكثر من يتحملون وطأة هذه المرحلة الانتقالية من العاطلين والشباب إلى دعم، وينبغى على المحظوظين أن يتحملوا هذه التكلفة، وإلا ستفتقد النية المعلنة لاستعادة أنماط النمو الشامل للمصداقية، مما سيقوض القدرة على اتخاذ قرارات صعبة ولكن مهمة.
ثانيا، يتطلب تحقيق أقصى نمو محتمل على عكس الاتجاه السائد حاليا والمتمثل فى انخفاض الاستثمارات العامة، والتحول من نمو قائم على الاستهلاك إلى الاستثمار، وينبغى أن يبدأ ذلك من القطاع الحكومي.
وتعد أفضل طريقة لاستغلال القدرة المالية المتبقية لدى الدول المتقدمة هى استعادة الاستثمار العام فى سياق خطة ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار خلال عدة سنوات.
ثالثا، ينبغى على الاقتصادات التى تعانى من مشكلات هيكلية أن تتخذ خطوات للتخلص منها، ويجب على كل الاقتصادات أن تتكيف مع التغيرات الهيكلية لدعم النمو، خاصة أن المرونة أصبحت أكثر أهمية فى تغيير أنماط النمو التى تؤثر فى سرعة التعافى حتى ينجح جميع الأطراف بالمشاركة فى العبء.
وبينما قد تحتاج عملية الموازنة وسد الفجوة بين النمو المحتمل والحقيقى سنوات عديدة، فإن الوقت الذى ستستغرقه بالفعل يعتمد على الخيارات السياسية وسرعة التعديلات الهيكلية، ففى جنوب أوروبا على سبيل المثال، تحتاج هذه العملية وقتاً أطول، نظراً لفقدان هذه المنطقة للكثير من عناصر التعافى.
ومع ذلك، فإن القضية الرئيسية التى تواجه الكثير من الاقتصادات هى استعادة نمط النمو الشامل والمرن الذى يسمح بأى اتجاه كان للنمو المحتمل.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت