بقلم- مصطفى فهمي
• يقول ثائر في الفضاء الإلكتروني لا شيء يعجبني..
لا السيسي ولا الإخوان ولا حمدين ولا البوب .. أريد ان أثور.
في غرفة مغلقة تجمع أربعة غرباء أمام شاشة عريضة.. علي الركن الأيمن منها يجلس شاب لم يتجاوز عمره الثالث والعشرين يحمل في يديه “جلاكسي نوت” يتصفح الفيس بوك وتويتر،حتي توقف عند صورة عريضة داكنة اللون تحمل عبارة من ثلاث كلمات “لا شيء يعجبني” يتزيلها اسم الشاعر الفلسطيني ” محمود درويش” .. رمقها طويلاً ثم قام بنشرها على صفحته الشخصية.
بعد دقيقتين من نشر الصورة جاءته ثلاثة تعليقات مقتضبة تبعها سيل من الشتائم، كان أولها ” وطن العك .. مفيش فايدة” أما الثاني فقال ” ارحمونا بقى من الشعارات المقرفة بتاعتكم دي..هييجي اللي يظبطكم ” أما الثالث فرد على الثاني غير عابئ بالصورة ” سنعيش أحرار في زمن العبيد يا كلاب البيادة”.. ولم تمر ثواني حتى تبادلا الطرفين الصور والأغاني بداية من صور الإخوان ومبارك في السجن كـ”فلاش باك” مروراً بصور قتلى الجنود في المعسكرات والإخوان في رابعة والنهضة،وصولاً إلى صور المشير بالزي المدني وصور رابعة على أرضية صفراء يعلوها الهاش تاج الشهير “انتخبوا العر.. “.
لم يكترث الشاب من الشِجار الإلكتروني بين طرفي البوست ودخل يترك رسالة نصية إلى الطرف الأول الذي اتفق معه في الرأي.. ” نعيش حقاً في وطن العك” .. “الإخوان سرقوا الثورة وخانوا .. والبوب لملم أشيائه ورحل .. والأحزاب المدنية تتصارع على تأييد المرشح العسكري.. وحمدين يدخل معركة خاسرة غير متكافئة.. والإعلام يمهد الطريق لعودة النظام القديم .. في نظامنا القديم كانت الحرية والعدالة والعيش غايات لن تدرك إلا بالثورة وفي نظامنا الجديد باتت الحرية غاية لن تدرك حرصاً على مقتضيات الأمن القومي ، والعدالة نائمة لعن الله من يوقظها ، والعيش غير آمن في دولة تسير بقوة دفع الدراهم والريالات. وكأن ثورة لم تقم”..
رد الآخر ” كلما تحدثت مع أحدهم بأن السيسي لا يمكن أن يكون رئيساً لشعب ثار من أجل مدنية الدولة، وأنه لن يختلف عن الإخوان في شيء، وأنه تعهد مثلهم أنه لن يسعى لسلطة وسعى، وأن وجوده على قمة السلطة يزيد الانقسام الشعبي لا يعالجه، قالوا عني “إخوانجي بشَرطة” ومغيّب لا يدرك من أمره شئ..وكلما تحدثت بأن الإخوان خانوا ما عاهدوا الشعب عليه وأقصوا وظلموا وتجبروا وخوّنوا وهددوا الشعب في أمنه ودينه وكان لابد من إسقاطهم قالوا عني متلوّن و لاحس بيادة .. أريد أن أقاطع .
• تقول سيدة مكلومة أنا أيضاً لا شيء يعجبني .ذهب ابني إلى الميدان ولم يعد .لا أعلم قتل أو اعتقل .أريد أن أبكي.
في الركن الأيسر من الغرفة جلست سيدة حزينة لا تتكلم ولا يبدو منها أي إيماءات ولا ترغب في أي تفاعل مع ما يدور حولها،تحمل صورة صغيرة لشاب في مقتبل العمر، قالت أنه في السنة النهائية بكلية الطب جامعة الأزهر، قَتَلَ أصدقائه الإخوان أثناء فض اعتصام رابعة العدوية واعتقل رفاقه في المظاهرات المنددة باعتقال فتيات حركة ” 7 الصبح ” بالإسكندرية والتجمعات الرافضة لقانون التظاهر الجديد، وتم القبض عليه منذ ثلاثة أشهر ولا تعلم عنه شئ .. “قيل قتل أو اعتقل في مكان غير معلوم”.
• يقول مواطن كادح وأنا ايضاً لا شيء يعجبني .أحاصر دائماً فقراً يحاصرني..أرهقني الأمل..
في منتصف الغرفة جلس شخصين يتابعان التلفاز باهتمام مصطنع، أحدهم لم يتعاطف قط مع أي من أحداث ثورة يناير،يصفه أصدقائه بـ”الفِلّ” لتأييده أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية السابقة ،وآخر لا ينتمي إلى ما يحدث مطلقاً ولم تخطوا قدماه أياً من لجان الاقتراع.
الأول يري أن نجاح السيسي انتصار لموجة 30 يونيو التي يعتبرها ثورة على 25 يناير التي أطاحت بالنظام الذي انتفع منه لسنوات على حساب شعب كامل تم إفقاره وإمراضه وتجهيله وتقييده عمداً ليكون طوعاً لهم،والثاني يرى أن الثورة لم تكن سوى مصنعاً كبير لإنتاج الكراسي والمناصب أخلف مزيد من الصراع والإنقسام في المجتمع،ولم تزده الإ فقراً ووقف حال رغم نقاء اهدافها .
• يقول مذيع لامع: ها نحن اقتربنا من محطتنا الأخيرة فاستعدوا لنزول الانتخابات..
وفي ذلك اختلفت المواقف..اكتفى الثائر الفيسبوكي بتويتة صغيرة لا تخلو من التنظير فقال: أمامنا اختيارين لا ثالث لهم، “عصر الليمون” مرة أخرى وتأييد حمدين صباحي هروباً من المرشح العسكري ومنافقي السلطان والمنتفعين، أو المقاطعة.
أما السيدة المكلومة فلم تتكلم كثيراً حيث قالت قاطعة “لن نشارك ولن نصمت وللظلم نهاية.. صامدون” قالتها ورحلت وبداخلها نيران وقودها الثأر والظلم .
أما حزب “الكنبة” -أو الفلول بمعنى أدق- فهم أصحاب العرس الديمقراطي تلك المرة،سيحملون صور المشير عالياً ،يتبعهم أطفال يحملون لافتات تسلم الأيادي وربات بيوت يزغردن ومزمار بلدي وخيول وجٍمال ولم ينقصهم في تلك اللحظة الدافئة سوى فقرة الساحر الذي سيتبعهم لاحقاً.
أما الفقير الكادح فسيذهب تلك المرة مجبراً لتأييد المشير لينهي الأزمة .. لا أظن أنه مؤمن بأنه الأفضل لقيادة الدولة وتحقيق أهداف الثورة -التي كفر بها- قدر إيمانه العميق بأنه القادر على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق “قبضة أمنية قادرة على إعادة الساقية إلى الدوران لتوفير العيش حتي وإن دهٌست مبادئ الحرية والعدالة التي لم يعتاد عليها”.