استبدال الأزمات الجيوسياسية بالأزمات المالية يهدد الاستقرار
قالت مجلة « ذى بانكر »، إن البنوك العالمية عانت منذ بداية 2014 من ارتفاع المخاطر «الجيوسياسية»، وارتفاع حصيلة الغرامات لسوء السلوكيات العالمية.. الأمر الذى ضغط على سير عملية الانتعاش الاقتصادى خلال 2014.
وأوضحت أن التوقعات كانت مخالفة للواقع، إذ كانت تشير إلى أن العام الجارى سيكون جيداً على مستوى القطاع المالى، بالإضافة إلى بدء مرحلة الانتعاش والتعافى الاقتصادى. وكان يتعين على البنك المركزى الأوروبي حل مشكلات جودة الأصول فى منطقة اليورو، فضلا عن قيام المنظمين باستكمال النظام المالى الأكثر أمانا.
وقالت المجلة إنه فى الحقيقة تم الوفاء بكل هذه التوقعات الى حد كبير، عندما أعلن « بن برنانكي» رئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى السابق، استهدافه تقليص برنامج التسهيل الكمى (QE) من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي الامريكي فى مايو 2013، وسيطرت حالة من القلق على السوق لحين انتهاء البرنامج فى أكتوبر 2014.
وأكد «جيمس جورمان» الرئيس التنفيذى لبنك «مورجان ستانلي»، أن السياسة النقدية فى الولايات المتحدة الأمريكية لن تنتظر وهى فى حالة خوف من السوق، خاصة عقب أن شهد اقتصادها انتعاشة قوية.
واستهدف التقييم الشامل الذى أجراه البنك المركزى الأوروبى وأتمه فى أكتوبر، توفير حجم غير مسبوق من البيانات عن حالة الميزانية العمومية للبنوك.. إلا أن البنوك فى منطقة اليورو لا تزال ضعيفة، نظرا لتراكم سنوات من الركود. ولكن معظم المشاكل تم تناولها مع خطط إعادة الهيكلة.
وفى الوقت نفسه، نشر مجلس الاستقرار المالى (FSB) سلسلة من المقترحات الرامية إلى إنهاء مشكلة «البنوك الأضخم من أن يسمح لها بالإفلاس»، وتشتمل على التعاون عبر الحدود لحل البنوك المعقدة، وتدشين مفهوم إجمالى رأس المال الممتص للخسائر (TLAC)، والتى تتضمن الديون التى يمكن إنقاذها فى إعادة رسملة البنك.
عودة الجيوسياسية
و2014 هو العام الذى وضع فيه القطاع المالى الأزمة المالية خلف ظهره، وبطريقة حققت المستهدف ولكن ليس بنفس الطريقة الصحيحة المقصود بها، وذلك لأن الأزمة المالية تم استبدالها بأزمات جيوسياسية جديدة هددت الاستقرار المالى.
وجاءت متابعة العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، ومتابعة الأحداث فى الولايات المتحدة الأمريكية، على رأس قائمة النقاط التى تسببت للقطاع المالى العالمى بالقلق الشديد.
ورحبت الحكومات الغربية ببداية جديدة فى أوكرانيا، عقب هروب الرئيس فيكتور يانوكوفيتش من كييف فى فبراير 2014 بعد عدة سنوات فى جهود الإصلاح التى تعثرت وكثفت الفساد.
لكن الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» رأى فى ذلك تهديدا لسلطته ونفوذه على عتبة روسيا، مما أدى إلى تصعيد وتدخل الدول عبر الحدود.
ورداً على ذلك، بدأت الدول الغربية بفرض عقوبات فى مارس 2014.
وازدادت العقوبات فى يوليو الماضى، عندما قام الاتحاد الأوروبى تلته الولايات المتحدة الأمريكية بإدخال الحظر على توفير التمويل طويل الأجل لأكبر البنوك المملوكة للدولة، وأبرزها «سبيربنك» و«البنك الزراعى الروسى». وتضررت أيضا أكبر الشركات الصناعية فى روسيا، وبدأت تتحول الى الحكومة لإعادة التمويل.
وتوقع «سيرجى غورييف» الخبير الاقتصادى الروسى، عضو المجلس الإشرافى فى «سبيربنك» عدم حدوث أزمة مالية فورية فى روسيا.
وتراجعت احتياطيات النقد الأجنبى لروسيا بنحو 100 مليار دولار، ليصل إلى 383 مليار دولار حتى نوفمبر الماضي، بما فى ذلك تدفقات خارجية تقدر بنحو 30 مليار دولار فى شهر أكتوبر فقط.
وسمح البنك المركزى الروسى بإنهاء نطاق تداول العملة الروسية (الروبل)، وبتعويمها فى نوفمبر. وأعقب ذلك انخفاض قيمة «الروبل» بأكثر من %43 مقابل الدولار مقارنة ببداية 2014، رغم أن تعويم العملة من الناحية العلمية يحد من استنزاف الاحتياطيات.
ورغم ذلك، يعتقد غورييف أن الركود الاقتصادى أمر لا مفر منه.. وفكرة اعتماد روسيا على برنامج إصلاحى تعتبر أمراً «وهميا» – على حد تعبيره- حتى على المدى البعيد.
وبرر الخبير الاقتصادى الروسى هذه الرؤية بأن معدلات التدفقات الخارجة من الدولة هذا العام ارتفعت أكثر من الضعف مقابل العام الماضى، قائلا: «نحن نتحدث عن نسبة تتراوح بين 5 و%6 من الناتج المحلى الإجمالى»، ما يعنى تقليص قيمة (الروبل)، وأسعار أسهم أقل، ويمثل أقل تأثير لها نقص الاستثمارات، مشيراً الى أن قلة الاستثمارات اليوم تعنى نمواً أقل غداً.
وقال «رومان شميدت» رئيس تمويل الشركات فى «كومرتس بنك» فى ألمانيا، إنه مع الجولة الثانية من العقوبات على روسيا، سنرى تغيرا فى تركيز بعض عملاء سوق رأس المال.. وبالتالى التوجه الى أنشطة الاسواق الناشئة واهتمامات المستثمر الدولى ستتجه الى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا.
وتنتظر أوكرانيا وضع روسيا نفسه، حال عدم قدرة الرئيس الأوكرانى « بترو بوروشينكو» على تحقيق برنامج الإصلاح من قبل الممولين الغربيين والمتظاهرين فى الشوارع الخاصة بالدولة، مشيراً الى ان الانتعاش أمر صعب فى ظل الظروف التى تمر بها الدولة.
تصاعد تكاليف السلوك
ويتمثل السبب الرئيسى لهروب رؤوس الأموال بطريقة حادة من روسيا، فى أن تكلفة العقوبات من قبل المؤسسات المالية الغربية تتصاعد. ونتيجة ذلك فإن بنوك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى غير راغبة فى تحمل أى مخاطر حتى مع المؤسسات الروسية التى تعتبر خارج نطاق العقوبات، والبنوك خارج تلك المنطقتين غير راغبة فى التدخل.
وفى الحقيقة، فإن الغرامات والمخالفات وغيرهما من أشكال سوء السلوك، تم استبدالها بالمخاوف المتعلقة بجودة الأصول والمخاوف المحتملة على الميزانيات العمومية من أكبر البنوك فى العالم، إذ إنه فى يونيو 2014، وافق بنك «بى إن بى باريبا» الفرنسى على أكبر غرامة له فى تاريخه لخرق العقوبات والبالغة 8.8 مليار دولار، كتسوية مع السلطات الأمريكية والتى أدت فى النهاية الى استقالة «بودوان بروت» رئيس البنك بعد ثلاثة شهور.
وتلت هذه الغرامة بعد أسابيع قليلة، غرامة بقيمة 16.5 مليار دولار على بنك «أوف أمريكا» لسوء بيع سندات الرهن العقارى عن طريق استحواذه على بنك «ميريل لينش».
ورصدت مؤسسة أبحاث «سى سى بى»، الغرامات والعقوبات لأكثر من 12 بنكا عالميا تم تغريمها فى عام 2009 حتى 2013، وذكرت البيانات أن إجمالى تلك الغرامات بلغ 166.63 مليار جنيه استرلينى (261 مليار دولار)، مقارنة بـ154.96 مليار جنيه استرلينى بين عام 2008 و2012.