بقلم: هينى سيندر
أرسلت أيام التداول الأولى من عام 2015 رسائل مختلطة بشأن الأسواق المالية، وبدأ العام بتراجع وول ستريت لمدة خمسة أيام قبل أن يعكس سوق الأسهم اتجاهه ويرتفع.
ورغم تحقيق المستثمرين فى الأسهم أرباح فى العام الماضى المتقلب ولكن السخى، حل عدم اليقين محل التفاؤل الذى كان مستنداً بشكل كبير على الوعود باستمرار أسعار الفائدة الصفرية فى الولايات المتحدة والمزيد من التيسير الكمى فى أوروبا واليابان، ولكن فجأة لم يعد دعم البنوك المركزية كافياً.
ويعد عدم اليقين هذا مبرراً بطريقة ما، فلطالما كان للأموال السهلة حدود، كما لا يوجد سياسة تؤدى إلى ارتفاع أسعار الأصول للأبد، سواء كانت هذه السياسة محدودة أم لا، ومع ذلك فإن المخاوف التى أدت إلى زيادة التوترات فى السوق مبالغ فيها، خاصة تلك المتعلقة بأسعار البترول والانكماش.
وهناك مصادر أخرى للقلق لا تحظى بنفس الاهتمام، خاصة المخاوف من ألا تسير أسعار الأسهم مع مبادئ السوق مثل الأرباح، ومن أن يتقدم الاقتصاد الأمريكى بقوة أقل من المتوقعة.
وتعد صدمة أسعار البترول أول المخاوف الكبيرة التى روّعت الأسواق، ولكن ينبغى أن تطغى الجوانب الإيجابية على تلك السلبية، وبالفعل سوف يضر انخفاض الأسعار بنسبة %50 أرباح شركات الطاقة، كما أنه سيؤدى إلى تعثر فى أسواق الديون مرتفعة العائد حيث تصدر شركات الطاقة البديلة سنداتها.
وتعتقد «جى بى مورجان سيكيورتيز» أن %40 من هذه اشركات الطاقة قد تتعثر بحلول 2017 فى حال ظلت أسعار البترول دون 65 دولاراً للبرميل، وبما أن هذه الشركات تمثل %17 من مصدرى السندات فى هذه السوق، قد يؤدى هذا إلى المزيد من تجنب المخاطر فى السوق بشكل عام.
وربما يكون هناك بعض الأثار الثانوية التى قد تزعزع الاستقرار، فعلى سبيل المثال، فإن عواقب الإيرادات البترولية الأقل غير واضحة، وبالنسبة للسعودية التى تمتلك تريليونات الدولارات كاحتياطيات أجنبية لا يبدو أن ذلك سيشكل مشكلة كبيرة.
كما لن تتأثر مشتريات سندات الخزانة الأمريكية التى يتم تدوير العائدات البترولية فيها لأن الكثيرين يرغبون فيها، أما بالنسبة للجزائر أو نيجيريا أو فنزويلا أو روسيا فقد يكون هناك عواقب أكثر خطورة.
وبخلاف ذلك، فإن انتقال الدخل من البترول من الدول المنتجة إلى الدول المستهلكة هو أمر جيد، خاصة لهؤلاء الذين يتعاملون بالدولار، وبالتالى يستفيدون بالكامل من الهبوط فى أسعار البترول، مما سيدعم ذلك الاستهلاك فى الولايات المتحدة أكثر بكثير، مما قد تفعل سياسات الاحتياطى الفيدرالى.
أما مصدر القلق الثانى المبالغ فيه الذى جعل الأسواق ترتعد على الأقل على فترات متباعدة هو احتمالية الانكماش، وروج الكثير من الاقتصاديين بأن جميع أنواع الانكماش سيئة.
وفى الواقع، لا يعد انخفاض الأسعار دائماً مخيفاً للجميع، فهو يؤدى إلى زيادة فى قيمة الدخل الحقيقى، وبالتالى فهو مفيد للمدخرين أكثر من المقترضين، نظراً لعدم إمكانية الاعتماد على ارتفاع معدل التضخم لتقليل العبء الحقيقى للسداد.
ويأتى معظم الانكماش فى العالم اليوم من الإنجازات التكنولوجية والتقدم المشهود فى الإنتاجية، مما أدى إلى تخفيض أسعار الكثير من الأشياء، وهو ما يفترض أن يكون عاملاً إيجابياً آخر للأسواق.
وعلاوة على ذلك، يمتلك العمال قوة تسعير محدودة وبالتالى لا تشهد مرتباتهم نمواً قوياً، ويعد الانكماش أفضل من التضخم الذى يقوض القوة الشرائية، ولهذا السبب تعد سياسات رئيس الوزراء اليابانى، «الأبينوميكس»، خطيرة لأن ارتفاع أسعار كل شئ باستثناء الأجور فى ظل تراجع عدد السكان وشيخوخته يعنى أن الطلب المحلى سوف ينكمش.
ومع ذلك، لا يعنى اجتماع أسعار البترول المنخفضة والتراجع المتواصل فى الأسعار أننا نعيش فى عالم أفضل من السنوات القليلة الماضية، لأن المخاوف بشأن قوة وجودة النمو الأمريكى واستدامة مكاسب سوق الأسهم مبررة تماماً ولكنها مغمورة، خاصة أن البيانات التى ظهرت فى آخر العام توحى بأن الشركات الأمريكية لم تعد تستثمر فى قطاعاتها.
وكانت مكاسب سوق الأسهم فى 2013 لا علاقة لها بالأرباح، وفى 2014، فقد كانت أكثر انسجاماً، وكان مفتاح النمو إما من خلال عمليات الاندماج أو إعادة شراء الأسهم، أما فى المستقبل سيكون نمو الأرباح بعيد المنال، فى حين ستبدو أسعار الأهم أكثر تكلفة مقارنة بالنمو الهزيل فى الأرباح.
وأما الأمر الوحيد الذى توافقت عليه الآراء، وفى الوقت نفسه يبدو معقولاً هو قوة الدولار، ويكمن التحدى فى تصور أين يمكن وضع هذه الدولارات.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: فاينانشيال تايمز