احتاج حفر قناة السويس 10 سنوات وكلف المصريين أرواح الآلاف من العمال وعندما اقترح المخططون ثلاث سنوات لحفر قناة ثانية رفض الرئيس المصري، وأمر بأن يكون زمن الحفر عاما واحدا.
وبعد اثني عشر شهرا يستضيف عبد الفتاح السيسى حفلا بمناسبة أكبر توسعة للقناة منذ افتتاحها لأول مرة في عام 1869. وبالنسبة لقائد الجيش السابق الذى يسعى لتعزيز حكمه فإن هذا الحدث الرمزي من المستحيل أن يفوته.
وبحسب تقرير لوكالة الأنباء بلومبرج فإن الأمر الأقل وضوحا وسط هذه الاحتفالات هو الفوائد الاقتصادية لما تصفه لوحات إعلانية في القاهرة وميدان تايمز سكوير في نيويورك بأنه “هدية مصر للعالم”، والذي سيرفع استيعاب القناة لمرور مزيد من السفن وفي وقت أقل لعبور 193 كيلومترا بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
ويأتي حفل الخميس، والذي من المقرر ان يحضره كبار الشخصيات مثل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند و نائب زعيم كوريا الشمالية كيم يونج نام، وسط تباطؤ نمو التجارة العالمية التي ترتبط حظوظ القناة به.
ونقلت الوكالة عن رالف ليزسينسكي رئيس قسم الأبحاث بمؤسسة ” بانشيرو كوستا بروكريج ” ومقرها سنغافورة قوله :” من وجهة نظر صناعة النقل البحري كانت هذه المبادرة لتوسيع قناة السويس نوعا من المفاجأة” فلم يكن هناك حاجة ملحة أو طلبات لتنفيذ ذلك المشروع بقدر ما أعلم “.
ووفقا لبيانات وكالة بلومبرج فإن قناة السويس لم تتعاف تماما منذ تسببت الأزمة المالية العالمية في هبوط الشحن في عام 2009، وعلى الرغم من زيادة إجمالي الحمولة فإن عدد من السفن التي تستخدم القناة لا يزال أقل 20 % عن مستواه عام 2008 و 2 % فقط زيادة عما كانت عليه قبل عقد من الزمن.
ودون الحديث عن عنق الزجاجة يقول محللون ان الاحصاءات تعكس بطئ نمو التجارة العالمي حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 3.4 % كمتوسط في الفترة 2007-2016، مقارنة مع 7 % خلال العقد الماضي.
وتراجع مؤشر الشحن الجاف الذي يقيس معدلات شحن خام الحديد والفحم والحبوب وينظر إليه على أنه قاطرة الاقتصاد العالمي، إلى مستوى قياسي بلغ 509 نقطة في فبراير الماضي فيما لا يزال أقل 90 % من المستوى القياسي لعام 2008 حيث سجل 11،793.
نقص التفاصيل
قالت ميشيل بيرمان، رئيسة بحوث المخاطر التشغيلية في بي ام أي بوكالة فيتش: ” لا يعد عامل السرعة في الوقت الراهن هو الاساس لشحن الحاويات ويعتبر قطاع الشحن البحري أهم مستفيد من القناة “. وتابعت:” القضية الأكبر هي “فائض السفن” بالمقارنة بحجم الطلب حيث تم بناء أكبر السفن حجما على الاطلاق لخدمة خطوط الشحن بين آسيا وأوروبا وهو ما يفاقم المشكلة.
واوضح تقرير بلومبرج أن الحكومة لم تنشر علنية دراسات الجدوى لإظهار كيف ستجنى العائد علي استثمار 64 مليار جنيه مصري أو ما يعادل 8.2 مليار دولار بيد أن اللواء مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس أكد أن التوسعة تاتي تلبية للطلب في المستقبل حيث من المتوقع تضاعف حركة المرور إلى 97 سفينة يوميا بحلول عام 2023.
وقال مميش ردا على اسئلة عبر البريد الالكتروني: “من خلال خلق ممر ثاني للقناة نصبح قادرون على تقليل فترات الانتظار، مما يقلل من نفقات الوقود والتكاليف، مع عدم وجود زيادة في الرسوم لدينا”.
وبحسب مؤسسة كابيتل اكونوميكس فان حجم التجارة العالمية يحتاج إلى الارتفاع بنحو 9 % في السنة لوصول قناة السويس إلى هدفها واصفة الهدف بأنه “على الأقل يمكن القول أنه من غير المرجح أن يتحقق”.
العلاقة الفرنسية
يعتبر حفل الخميس الذى تكلف بحسب ما يتردد 30 مليون دولار فرصة للحكومة لإرسال رسالة أكثر إيجابية عبر محاكاة فعاليات الاحتفالات عام 1869 عند إنجاز حفر القناة، وقد شهد الحفل في ذلك الوقت الامبراطورة الفرنسية أوجيني التي اطيح بزوجها نابليون الثالث بعدها بعام من الحكم وأداء رائعة الكاتب الايطالي جوزيبي فيردي “ريجوليتو” في افتتاح دار الأوبرا الجديدة في القاهرة.
القناة غيرت منذ ذلك الحين التجارة العالمية.
يمر حوالي 8 % من البضائع في العالم الآن عبر قناة السويس بحسب هيئة قناة السويس، فالسفر من سنغافورة الى نيويورك عبر قناة السويس يقلل من المسافة بنسبة 19 % مقارنة بالطريق عبر المحيط الهادئ، وقناة بنما ويوفر 42% من الطريق بين الخليج العربي وروتردام في هولندا لان المرور بقناة السويس يلغي الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في اقصى جنوب القارة الافريقية.
ويقول نيل أتكنسون، رئيس وحدة التحليل في لويدز قسم المعلومات إنه حتى من دون أي تطوير، فإن القناة ستكون دائما جذابة.
أوسع وأعمق
تسمح القناة الجديدة بحركة المرور في الاتجاهين حيث تقلل من وقت العبور الى 11 ساعة بدلا من 18ساعة وفقا للشركة المشغلة للقناة لكن التوسعة لن تمكن السفن الاكبر من استخدام الممر المائي.
ومن المتوقع إنشاء موانئ جديدة وخدمات لوجستية فيما بعد حيث ويتضمن المشروع ستة أنفاق تحت القناة، وتتوقع السلطة إيرادات تصل إلى أكثر من 13 مليار دولار بحلول عام 2023 بدلا من 5.5 مليار دولار في عام 2014.
ويعتقد سايمون كيتشن المحلل الاستراتيجي في بنك الاستثمار للمجموعة المالية هيرميس بالقاهرة أن مقولة “أكمل البناء وهم سياتون ليست كافية”، مضيفا أن الشركات سوف تطلب توفير محفزات لبناء المصانع وغيرها من التسهيلات فالحكومة تحتاج لإعطاء السفن سببا لتبحر عبر قناة.
لكن هناك البعض له وجهة نظر أكثر إيجابية فقد نما الاقتصاد المصري في أكثر من 4 % في الاشهر التسعة حتى مارس الماضي لأول مرة منذ عام 2010، ويرجع ذلك أساسا إلى الإنفاق على البنية التحتية ذات الصلة لتطوير القناة، وفقا لبنك الاستثمار الفرعونية القابضة للاستثمارات المالية.
توفير المال
كما يسهم العبور القصير في توفير 4 % من تكاليف الرحلات اعتمادا على طول المسافة بحسب تقديرات مركز البحوث الاقتصادية اس ار ام ومقره في نابولي في ايطاليا.
قال مايكل ستورجارد المتحدث باسم “خطوط ميرسك” أكبر شركة شحن حاويات في العالم لبلومبرج إنه كان الضروري الحفاظ على جاذبية قناة السويس ورغم ذلك أكد أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت “ميرسك” سوف تسير سفنا أكثر عبر قناة السويس.
ويري عمرو العدلي الباحث في معهد كارنجي للسلام من بيروت أن أي مردود اقتصادي في المستقبل يجري تضخيمها للتوظيف السياسي من قبل الحكومة لبناء الثقة في قيادة السيسى.
أضاف عدلي: “يحاول السيسى كسب الشرعية من خلال انجازات حكومته ويعتقد أن قناة السويس تظهر أن الحكومة يمكنها تقديم شئ وتستطيع الالتزم بشيء ما والقيام به”.