قال محمد العريان، الخبير الاقتصادى البارز، فى مقال له على صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن التقلبات غير العادية التى سيطرت على الأسواق المالية فى الأسابيع الأخيرة، والناتجة عن بعض التحركات الصاعدة المثيرة للدهشة والتحركات الهبوطية المزعجة فى أسعار الأصول، ستكون ملازمة للأسواق لفترة من الزمن.
ويعد مزيج من العوامل التكتيكية والهيكلية، مؤشراً على التحول المستمر فى بيئة التشغيل فى الأسواق، وهناك حاجة إلى إدارة تأثير المخاطر الهبوطية على الاقتصاد العالمى على نحو أفضل، بسبب احتمالية تحول أداء الشركات والأسر، فضلاً عن تصاعد مخاطر الأزمات المالية.
أضاف العريان، أن هناك 6 أسباب رئيسية وراء كون التقلبات المرتفعة، صعوداً وهبوطاً، هى المعيار الجديد للأسواق المالية
أولاً: تباطؤ اقتصادات دول العالم الناشئ يقضى على الدعامة الأساسية لأسعار الأصول المرتفعة والمستقرة، إذ أصبح نمو الأسواق الناشئة هو أساس توازن النمو العالمى، وإن كان بمستويات منخفضة نسبياً، بحيث تعوض الاقتصادات الناشئة النشطة الركود فى أوروبا واليابان.
وفى الواقع، فإن نمو كل الدول الناشئة المهمة تقريباً بما فى ذلك البرازيل والصين وروسيا وتركيا يتباطأ.
وأشار ماريو دراجى، رئيس البنك المركزى الأوروبى إلى أن أوروبا ليست فى وضع يمكنها من تعويض هذا الركود، الأمر الذى أوقع عبئاً كبيراً على الولايات المتحدة لتقوم بدور محرك النمو العالمى القوى.
ثانياً: كانت أسعار الأصول مرتفعة، وفى بعض الحالات، فى منطقة الفقاعة، وربما تعد الصين أفضل مثال على ذلك، إذ حث المسئولون الصينيون على المشاركة الواسعة فى سوق الأسهم كجزء من رحلة البلاد نحو نظام قائم على السوق، لكن هذه الظاهرة أدت إلى فقاعة الأسعار التى بات من الصعب انخفاضها على نحو منظم.
ثالثاً: تناضل عملات الأسواق الناشئة من أجل استعادة موطئ قدم لها فى مواجهة الصدمات المتعددة، بدءاً من التغير المفاجئ لنظام سعر الصرف فى الصين، إلى التأثير الضار لتراجع النمو العالمى والهروب الضخم للتدفقات الرأسمالية، والانخفاض الحاد فى عائدات صادرات السلع، ويواجه البترول ظاهرة مماثلة بسبب تعطل ديناميات العرض والطلب.
رابعاً: هناك ثقة أقل فى قدرة صانعى السياسة على الاستجابة بسرعة وفعالية، ويعود ذلك جزئياً إلى الاعتماد المفرط لفترة طويلة على البنوك المركزية، باعتبارها اللاعب الوحيد فى وضع السياسة النقدية.
ويعود أيضاً إلى خروج التحديات الرئيسية العالمية عن متناول بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، والبنك المركزى الأوروبى الخطأ» من الاحتياطى الفيدرالى هذه المرة، فالبنك المركزى الأمريكى لديه أسباب اقتصادية داخلية جيدة لرفع أسعار الفائدة فى اجتماعه المقبل آخر الأسبوع الحالى، ولكن مع تحرك الصين نحو نظام عملة أكثر مرونة الشهر الماضى، فإن هذه الخطوة الصحيحة محلياً ستزيد من مخاطر عدم الاستقرار المالى العالمى.
وأخيراً: عززت تطورات السوق الأخيرة المخاوف بشأن نقص السيولة وخلل المنتج المالى، ويعود ذلك جزئياً إلى الانكماش الهيكلى والتنظيمى لدور شركات السمسرة بالنسبة إلى طلب المستخدم النهائى الذى يحرك السوق، ولاسيما عندما يؤدى الاختلاف فى توافق الآراء إلى رغبة أوسع فى إعادة توزيع مخصصات المحفظة.
ويعكس ذلك جزئياً انتشار المنتجات المالية، لاسيما فى صناديق المؤشرات المتداولة وتكافؤ المخاطر، التى يضعف أداءها الواعد فى فترات انعدام السيولة السوقية، ومن غير المرجح أن يتلاشى تأثير هذه العوامل الستة قريباً، بالإضافة إلى ذلك، فهم يساهمون فى ظاهرة أساسية وهى تحول نظام التشغيل فى الأسواق بعيداً عن البنوك المركزية، التى تكبح جماح أسعار الأصول ليتجه أكثر نحو إعادة التسعير الذى يعكس على نحو أفضل السيولة الهيكلية والدورية للنظام المالى، وحتى الآن، تم احتواء تأثيرات التقلبات المرتفعة – الجيدة والسيئة على حد سواء- فى القطاع المالى، ولم تتسبب حتى الآن فى أزمات مالية كبرى، ولكن إذا استمرت وأصبحت أكثر فوضوية فسوف تزداد مخاطرها على الاقتصاد الحقيقى، من خلال جعل الأسر أقل رغبة فى الإنفاق وتقويض استثمارات الشركات.