حزب الرئيس

السؤال الآن هل الصمت السياسى فى صالح الدولة أو الرئيس أو الأحزاب؟.. بالتأكيد ليس فى صالح أحد..!
هل يستطيع السيسى أن يفصل بين سلطاته كرئيس للبلاد وبين صلاحياته كرئيس لحزب سياسى؟

أظهرت نتائج الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية أن هناك انسداداً كاملاً أو حواجز فى كل مسارات الشارع السياسى فى مصر.. وحالة الانسداد السياسى ظهرت بوضوح فى هذا العزوف عن التصويت من الناخبين فلم تنجح الأحزاب التى تجاوز عددها الـ90 حزباً فى أن تتواجد بفاعلية فى الشارع أو تحشد الناخبين أمام صناديق الاقتراع.. كذلك الدولة باتت غير مكترثة بالانتخابات البرلمانية وصدرت عبر أصوات إعلامية أن البرلمان قد يعطل الرئيس عن ممارسة سلطاته أو إنجازاته.. هذا بجانب الإحباطات التى أصابت المواطن من عدم حدوث أى تغييرات سواء بمستوى المعيشة أو الخدمات، ناهيك عن عدد الانتخابات والاستفتاءات التى خرج إليها المواطن خلال السنوات الثلاث الماضية وكلها كانت تطالبه بالنزول من أجل دعم الاستقرار والتغيير.. وهو ما لم يتحقق لديه حتى الآن.. وزاد من هذه الاحباطات حالة الصمت السياسى من جانب الدولة والأحزاب السياسية التى يرى بعضها أن هذا الصمت مقصود من جانب الدولة من خلال التضييق على الأحزاب بقانون التظاهر وغيره من الإجراءات والتشريعات التى تحد من حرية حركة الأحزاب فى اشارع السياسي..

والسؤال الآن هل هذا الصمت السياسى فى صالح من؟، الدولة أو الرئيس أو الأحزاب؟ بالتأكيد أن هذا الصمت ليس فى صالح أحد حتى ولو كان هذا الصمت مقصوداً من الدولة أو الرئيس.. لأن هذا الصمت يغزى حالات الاحباط وتم الاحتقان فى الشارع.

وهو الأمر الذى بات محسوساً فى حالة الاحباط التى تنتاب المواطن المصرى من عدم قدرة النظام الحالى فى تلبية طموحاته وهو ما فسره البعض بأن النظام الحالى يفتقد أدوات التواصل مع الجماهير.

ولعل هذا ما ألمح إليه الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل فى حديثه الأخير لقناة CBC، حيث قال بالنص: “إن أول مأزق سياسى فى مصر أن الرئيس السيسى بلا حزب فوسائل الوصول إلى الناس ليست فقط ميكرفونات الإذاعة والتليفزيون، ولكن مسألة الوصول الحقيقى يقتضى الاتصال مباشرة بوسائل مباشرة بالناس والأرض والقواعد.. وهذا ليس موجوداً لابد أن يكون للرئيس اناس من حوله شبه حزب أو جبهة وطنية أو تحالف يقوده”.

هكذا أشار الأستاذ هيكل إلى أن مأزق الرئيس السيسى فى أن صوته أو أفكاره لا تصل بسهولة لجميع المواطنين.. أو أنه يفتقد لمن يروج لأفكاره بين الجماهير فى ربوع مصر والحديث عن أهمية وجود حزب سياسى للرئيس السيسى يدور منذ فترة وتحديداً عقب توليه سلطة الحكم.. وبدأ الحديث بوضوح مع الإعلان عن الانتخابات البرلمانية وأهمية أن يكون هناك ظهير سياسى مؤيد ومساند للرئيس فى البرلمان.. وتكوين هذا الظهير كان سبباً فى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة وتبارت أكثر من جبهة وتحالف فى رغبته أن يكون داعماً للرئيس فى البرلمان ما بين تحالف الجبهة المصرية وصحوة مصر وتيار الاستقلال إلى أن ظهرت جلياً جبهة فى حب مصر والتى ضمت العديد من الشخصيات المؤيدة للرئيس السيسى لتخوض الانتخابات واستطاعت أن تحصل فى الجولة الأولى على 60 مقعداً أى %50 من المقاعد المخصصة للقوائم بالبرلمان المقبل.. والقائمة تضم سياسيين وإعلاميين ومسئولين سابقين بالجيش والشرطة ومؤسسات الدولة.. وهذه الجبهة لا يمانع أغلب من فيها فى أن تتحول لحزب سياسى يرأسه السيسى، الأمر نفسه فى حزب مستقبل وطن والذى يرأسه الشاب محمد بدران رئيس اتحاد طلاب الجامعات المصرية والذى اصطحبه الرئيس السيسى فى الباخرة المحروسة عند افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة 6 أغسطس الماضي.. هذا الحزب الذى خاض انتخابات الجولة الأولى بـ84 مرشحاً وينجح فى أن يعيد بـ48 مرشحاً بما يفوق أحزاب قديمة مثل الوفد الذى يعيد بـ25 مرشحاً البعض يرى أن هذا الحزب أيضاً قد يكون حزب الرئيس.. ولكن هل ستقبل باقى الأحزاب بأن تتكرر تجربة مبارك مع الحزب الوطنى وان ترأسه للحزب أضاف لاعضائه مزايا عديدة وانحيازات من جانب السلطة التنفيذية على حساب باقى الأحزاب التى لم تستطع منافسة حزب الرئيس الذى هو أيضاً حزب الحكومة.

هل يستطيع السيسى أن يفصل بين سلطاته كرئيس للبلاد وبين صلاحياته كرئيس لحزب سياسى.. وأية معايير سيختار بها السيسى أعضاء حزبه أو الحزب الذى سيرأسه من بين الأحزاب القائمة.. وهل الواقع السياسى الجديد فى مصر بعد ثورة 25 يناير سيقبل بأن يكون للرئيس حزب سياسى.. وهل النظام السياسى الحالى أو نظام الحكم أو الدستور يمنع أن يكون للرئيس حزب سياسي.. قد يكون من حق الرئيس أن يؤسس حزباً سياسياً وأن يكون رئيساً له ولكن لابد من أن يلتزم بقواعد اللعبة وأن يكون على قدم المساواة مع باقى الأحزاب فى جميع الممارسات السياسية وألا يكون هناك أية انحيازات من جانب السلطة التنفيذية لحزب الرئيس.. فعلى السيسى أولاً أن يحرر الشارع السياسى من أية قيود وأن يزيل جميع الحواجز التى تعترض العمل السياسى المنظم.. فى المقابل فإن تجارب حزب الرئيس فى عهد الرئيسين السادات ومبارك ومن قبلهما الاتحاد الاشتراكى المؤيد للرئيس جمال عبدالناصر.. كلها كانت واحدة فى انحيازات السلطة التنفيذية لحزب الرئيس بل أن حزب الرئيس قضى على باقى الأحزاب الأخرى التى لم تستطع أن تتواجد فى الشارع الذى يسيطر عليه حزب الرئيس الحاكم.

ويستطيع الرئيس السيسى أن يكون رئيساً لكل الأحزاب الموجودة إذا ما استطاع أن يوفر لها ممارسة سياسية سليمة ومناخ صحى وجيد للعمل السياسى واحترام للدستور للحريات.

إننا نحتاج لرئيس وطنى ونحتاج أيضاً لمعارضة رشيدة تنتقد وتوجه تطمح فى الحكم بالممارسة الديمقراطية لا بالقنابل والمولوتوف.