لم يعط الانخفاض فى أسعار البترول دفعةً قويةً للنمو، فيما يعد أحد أكبر المفاجآت الاقتصادية عام 2015، ورغم انهيار أسعار البترول من فوق مستوى 115 دولاراً للبرميل في يونيو 2014 إلى 45 دولاراً نهاية نوفمبر الماضى، تشير معظم نماذج الاقتصاد الكلي إلى أن التأثير على النمو العالمي كان أقل من المتوقع، ربما عند 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتتمثل الأنباء الجيدة في أن هذا التأثير، وإن كان متواضعاً، لن ينتهي في 2016، أماً الأنباء السيئة، فهي أن الأسعار المنخفضة سوف تضيف المزيد من القيود على الدول الرئيسية المصدرة للبترول.
وينطوي التفكير المعتاد على أن تراجع أسعار البترول قد يحفز الطلب العالمي، ولكن ذلك بمثابة لعبة لا فائز فيها إلى حد ما، حيث يميل المستهلكون إلى الإنفاق أكثر عند تراجع أسعار الوقود، في حين يتكيف منتجو الخام من خلال استهلاك الاحتياطيات.
ومع ذلك، في 2015، كان هذا الاختلاف في رد الفعل أقل وضوحاً، وأحد أسباب ذلك هو أن الأسواق الناشئة المستوردة للطاقة لديها بصمة أكبر بكثير على الاقتصاد العالمي من الثمانينات.
وتعمل دول مثل الهند والصين على استقرار أسواق تجزئة الطاقة من خلال الدعم الحكومي لتخفيض الأسعار على المستهلكين، ويرتفع الدعم مع تزايد أسعار البترول، وبحثت بعض الدول بالفعل عن طرق لتقليص حجم الدعم، وبالتالي عندما انخفضت أسعار البترول، استفادت حكومات الدول الناشئة من انخفاض قيمة الدعم المالي.
وفي الوقت نفسه، اضطر الكثير من الدول المنتجة للبترول إلى تخفيض خطط الإنفاق في ظل الإيرادات المتراجعة بشدة، وحتى السعودية، التي تتمتع باحتياطيات بترولية ونقدية ضخمة، وقعت تحت ضغوط نتيجة الارتفاع المتزايد في عدد السكان، والإنفاق العسكري الأعلى المرتبط بالصراعات في الشرق الأوسط.
ولا ينبغي أن يأتي التأثير الضئيل لانخفاض أسعار البترول على الاقتصاد العالمي كمفاجأة، وأشار بحث أكاديمي بهذا الصدد إلى أن البترول، حالياً، يلعب دوراً مستقلاً أقل في تحريك دورات الأعمال مما كان يعتقد، خاصة أن النمو المتعثر يتسبب في تراجع حاد بالاستثمارات المتعلقة بالبترول.
وبعد سنوات من النمو السريع في إنتاج واستكشاف البترول، تراجعت الاستثمارات في هذين المجالين بمقدار 150 مليار دولار في 2015، وهو ما سوف ينعكس على الأسعار، ولكن ببطء وبشكل تدريجي، وأتوقع أن ترتفع أسعار البترول إلى 60 دولاراً للبرميل بحلول 2020.
وتتمثل الأنباء الجيدة العام المقبل، في أن أكثر نماذج الاقتصاد الكلي تشير إلى أن تأثير أسعار البترول على النمو سوف يمتد لعدة سنوات، وبالتالي، يمكن أن تواصل الأسعار المتراجعة دعم النمو، حتى وإن استمرت الأسواق الناشئة استخدام مدخراتها لتخفيض الدعم.
أما بالنسبة لمنتجي البترول، فتتزايد المخاطر، فبعض الدول مثل فنزويلا على شفا انهيار حقيقي، في حين أن باقي الدول تقترب من حافة الركود، واستطاعت الدول ذات أسعار الفائدة العائمة مثل كولومبيا، والمكسيك، وروسيا، التكيف حتى الآن، رغم مواجهتها قيود مالية أشد، وتعد روسيا الأكثر تعرضاً للخطر، إذا استمرت أسعار البترول في التراجع.
وعلى النقيض، سوف تعاني بشدة الدول صاحبة سعر الصرف التى تربط عملتها بالدولار، وهو ما حدث مع السعودية، والتى تعرضت لضغوط هائلة في الأسابيع الماضية.
وباختصار، لم تكن أسعار البترول مؤثرةً على النمو في 2015، مثلما بدا أنها ستكون في بداية العام، وتمكنت الدول الرئيسية المنتجة للبترول من الإبحار وسط الضغوط المالية حتى الآن، دون الوقوع في أزمة، نتيجة احتياطياتها الأجنبية القوي، والسياسات الاقتصادية الكلية المتحفظة نسبياً، مع ذلك، قد يكون العام القادم مختلفاً، ولكن ليس بطريقة جيدة، بالنسبة للمنتجين.
بقلم: كينيث روجوف