تعمل مصر فى كافة اتفاقيات البحث والتنقيب البتروليه بنظام إقتسام الإنتاج، وهذا النظام يتم العمل به منذ بداية نشاط البحث والإنتاج في فترة الستينات، وهو النظام السائد فى الدول الناميه في ذلك الوقت والخاص بالبحث والإنتاج للزيت الخام .
مع بداية نشاط البحث عن الغاز في مصر في منتصف الثمانينات تم تعديل إتفاقيات انقسام الانتاج لكي تصلح لصناعة الغاز، ويمكن القول انه كان من المقبول العمل بهذا النظام للبحث عن الغاز في المياه الضحله والذي يتواجد فى طبقات سطحيه، ولكن مع اكتشاف وانتاج اغلب هذا الغاز السطحي ودخلت مصر عصر البحث عن الغاز العميق ذات الضغط والحرارة العالية، ظهرت العديد من العيوب لنظام اقتسام الإنتاج والتي تنبئ بأنه ليس النظام الأمثل للفترة القادمة وعلي الحكومة النظر في نظام اتفاقيات مختلف مثل الضرائب والاتاوه لتفادي هذه العيوب وتقليل مخاطر الإستثمار فى هذا المجال .
عيوب نظام اقتسام الإنتاج .
1) استرداد التكاليف :
طبقا لأتفاقيات ااقتسام الإنتاج يخصص جزء من الإنتاج لإسترداد التكاليف، وحيث أن مشروعات الغاز العميق ذات الحرارة والضغوط العاليه والتى تصل تكاليف تنميتها وانتاجها إلى مليارات الدولارات، من المفترض أن يكون النسبة الخاصة من الانتاج لاسترداد التكاليف عالية فى السنين الأولي من الإنتاج، والتي قد تصل إلى 70-80 % لكي يحقق الشريك الأجنبي عائد مناسب للإستثمار، ولكن في مصر ساد العرف علي ألا يزيد نصيب الشريك عن 40% حتي لا يقال أن الشريك الأجنبي، بعد إضافة غاز الربح، يستحوذ علي النصيب الأكبر من الإنتاج، ويمكن تمرير الإتفاقية في مجلس الشعب بسهولة دون اعتراض عليها .
هذا بالإضافة إلى أن أغلب الشركاء يجدوا صعوبة في طريقة هيئة البترول وايجاس في الخطوات اللازم اتباعها للموافقة على المبالغ المنصرفة والقابلة للاسترداد، والتى عادة تنتهي الى عدم الموافقة على كامل المبالغ المنصرفة، مما يجعل الشريك الأجنبي يدرج في حساباته ان ما يقرب من 10-15 % من التكاليف لن تسترد، ويجب تحميل هذه النسبة على سعر الغاز المطلوب .
مما سبق نجد أن الشريك الأجنبي مضطر إلى تنمية أى كشف بقيمة استثماريه محددة تمكنه من استرداد استثماراته طبقا لبوطقة استرداد التكاليف المخصصه له، وليس طبقا لإحتياجات السوق أو حجم الكشف نفسه “Riding the cost recovery linثeading the cost necomy lineه ) سترداد استثماراته طبقا لبوطقة استرداد التكاليف المخصصه له، وليس طبقا لإحتياجات السوق أو حجم الكشe ” , فى حين أن لو تم تنمية أى كشف بطريق الإتاوة والضرائب بدلا من انقسام الإنتاج، فيكون الشريك مالك لكل الإنتاج ( ولكن ملتزم ببيع الانتاج بالكامل للسوق المحلي ولا يستطيع تصديره إلا بموافقة الحكومه) فإنه يتحرر من القيود الملزمة لإسترداد التكاليف، فينعكس هذا على كمية الغاز المنتج ويكون السعر المطلوب يعكس بشكل حقيقي حجم الكشف وتكلفة انتاجه .
2) تسعير الغاز :
أى كشف غازى يتم انتاجه باتفاقيات اقتسام الإنتاج، يكون نصيب الشريك الأجنبي من استرداد التكاليف أو غاز الربح محدد بإتفاقيات صادرة بقانون من مجلس الشعب ولا يمكن تغيرها، ويتم تحديد سعر الغاز في وقت محدد قبل بداية الانتاج، طبقا لمعطيات الكشف وظروف السوق فى هذا الوقت، والتي طالما تتغير بمرور الوقت والسنين، وعادة لا تكون ملائمة لأى استثمارات مستقبلية دون الحاجة إلى إعادة التفاوض على سعر الغاز ليعكس الوضع الإقتصادي وقتها، وحيث أن عملية إعادة التفاوض على تسعير الغاز عادة ما تكون شائكة وتحتاج إلى وقت طويل فإنها تأخر معدلات التنمية فى باقى قطاعات الدوله .
فى حين إذا كان الشريك يعمل بنظام الضرائب والإتاوة، فإن تغيرات السوق ومعطيات الكشف تنعكس على ربحية الشريك، وبالتالي على كمية الضرائب على الربح التي يدفعها والتي تعمل علي امتصاص هذا التغير. فإذا كانت التغيرات ايجابية على الشريك، زادت ربحيته وزادت الضرائب المدفوعه، وإذا كانت التغيرات سلبية على الشريك، قلت ربحيته وقلت الضرائب المدفوعة، مما يسمح للشريك بالعمل تحت كافة الظروف دون توقف أو طلب إعادة تفاوض علي تسعير الغاز .
3) دعم الغاز :
طبقا لإتفاقيات اقتسام الإنتاج فإن الشريك يحصل على نصيب من الإنتاج لاسترداد التكاليف بالإضافة إلى نصيب أخر يسمي غاز الربح وكلاهما يتم بيعهم لايجاس بالسعر الذى يتفاوضوا عليه كما سبق ذكره، وتحصل ايجاس على الجزء الباقي من الإنتاج، وبهذا يكون تكلفة الغاز على الحكومة هو متوسط سعر الغاز للشريك طبقا للكمية التي يحصل عليها والغاز الباقي التي تحصل عليه الحكومة مجانا ( إذا ما أهملنا جزء الضرائب المدفوع بالنيابة عن الشريك لأنها مبالغ تدفع من ايجاس وهو جهة حكومية إلى وزارة المالية ) وهو ما يسمي Weighted average cost of gas وإذا نظرنا أن متوسط سعر الغاز على الحكومه متغير طبقا لكمية الغاز التي يحصل عليها الشريك بسبب تغير كميات استرداد التكاليف مع تقدم عمر أى مشروع، نخلص انه يصعب تحديد التكلفة الفعلية التى تتحملها الحكومة وبالتالي يصعب تحديد كم الدعم المطلوب فى الفارق بين بيع الغاز للمستهلكين والتكلفة الفعلية للغاز .
فى حين أنه إذا كان الإنتاج يتم بنظام الضرائب والإتاوة يكون الشريك هو البائع لكامل الإنتاج لايجاس بسعر واحد أو معادلة واحدة لا تتغير، ما يسهل على ايجاس اضافة هامش لتغطية مصروفاتها, ويكون هذا هو سعر السوق الحقيقي، فإذا رغبت الحكومة ببيع الغاز للكهرباء بسعر أقل، فإن حجم الدعم يكون معلوما تماما ويسهل حسابه . كما أن هذا النظام يعمل علي فك الإشتباك بين وزارة البترول ووزارة المالية بخصوص حساب الدعم والضرائب التي تدفعها هيئة البترول أو ايجاس نيابة عن الشريك، حيث أنه فى نظام الضرائب والاتاوة يقوم الشريك بدفع الضرائب مباشره إلى مصلحة الضرائب .
4) تحرير سوق الغاز :
أعلنت الوزارة وايجاس مؤخرا عن تحرير سوق الغاز Gas Deregulation والذي يعطى الحق للشريك أن يقوم ببيع الغاز الخاص به مباشرة للسوق المحلى، ولكن إذا كان الشريك يعمل بنظام اقتسام الإنتاج فإن الكمية الخاصة بالشريك تكون متغيرة مع الوقت بسبب تغير حصته من الغاز المخصص لإسترداد التكاليف والذى تعتمد علي سعر الغاز المتغير مع الزمن فى تحديد هذه الحصة .
وحيث أن أى عملية بيع غاز بين منتج ومستهلك يكون شرطها الأساسي تحديد الكميات بشكل ثابت لمدة طويلة، وان هذا الشرط سيكون من الصعب تحقيقه إذا كان الشريك ينتج تحت نظام اقتسام الإنتاج، في حين إذا كان ينتج تحت نظام الضرائب والإتاوة فإن كمية الغاز الخاصة بالشريك تكون ثابته ومعلومه مسبقاً مما يسهل عملية التعاقد بين المنتج والمستهلك .
5) مصروفات التخلي Decommissioning cost :
هي المصروفات التي يجب صرفها لإعادة الشئ إلى أصله للمحافظة على البيئه، بمعنى إنه بعد إنتهاء عملية الإنتاج يجب أن يتم إزالة كافة المنشأت وخطوط الأنابيب التي استخدمت فى الإنتاج وإعادة البيئه لما كانت عليه .
وعادة تكون هذه التكاليف عاليه جدا فى حالة وجود منصات بجرية ومنشآت برية كبيرة، فإذا كان الإنتاج يتم بطريقة اقتسام الإنتاج فإن كافة المنشأت المستخدمه فى الإنتاج تؤول ملكيتها إلى الدولة بعد أن يسترد الشريك كافة التكاليف التي تم صرفها لإنشائها. وبالتالي تكون كافة مصروفات التخلى تقع على عاتق الدولة، كما انه من المعروف في هذا النظام ان الشريك يقوم بالتخلي عن الإتفاقية فى مراحل الإنتاج المتأخرة لعدم جدواها الإقتصادية له, ولكن الدول تكون في حاجة إلى هذا الإنتاج حتي لو كان ضئيل مما يجعلها تتولى الإنتاج بنفسها وبالتبعية تكون هي المسئولة عن مصروفات التخلي بالكامل .
وبالرغم من ان ايجاس قامت مؤخرا بوضع بعض البنود فى الإتفاقيات الحديثة لتلزم الشريك بدفع مصروفات التخلي إلا ان تطبيقها ليس مضمون لإعتماده على الإنتاج والسعر فى سنوات ما قبل التخلي، كما ان من المؤكد سيكون مسارا تفاوض بين كافة الأطراف وقت التخلي .
في حين لو كان الإنتاج يتم بنظام الضرائب والإتاوة فإن الشريك يكون مسئول عن الإنتاج لأخر قطرة وانه مسئول عن مصروفات التخلي لأن كافة المنشآت تكون ملكاً له ولا يشاركه فيها أحد .
6) أحجام الشركات الجديده عن السوق المصري :
ترغب العديد من الشركات التي تعمل بالبحث والتنقيب للدخول إلي السوق المصري ولكنها تجد أن العمل بنظام انقسام الإنتاج والمشاكل التي تواجه استرداد التكاليف تزيد من مخاطر الإستثمار بالإضافة إلى المخاطر الأخري مثل تأخر المدفوعات، مما يجعل هذه الشركات تحجم عن الدخول إلى السوق المصري تاركين الشركات التي تعمل بالسوق المصري منذ زمن، ولديها خبرة فى التعامل مع ايجاس أو هيئة البترول لمدد طويلة بالسيطرة على هذا السوق، مما يحد المنافسة على أى مناقصات جديدة .
فى حين إذا تم الإنتاج بنظام الضرائب والإتاوة فإن العديد من الشركات الكبيرة والمتوسطة ستعمل جاهدا على دخول السوق المصري نظراً لعلمها وخبرتها فى أغلب بلاد العالم بهذا النظام كما انه يقلل من مخاطر الإستثمار فى السوق المصري ويجعله متوازن مع العائد المتوقع .
7) الشركات المشتركة :
طبقا لإتفاقيات البحث العاملة فى مصر والصادرة بشكل قانون من مجلس الشعب فإن جميعها تلزم الشريك وهيئة البترول أو ايجاس فى حالة أى اكتشاف تجاري للغاز أو الزيت، على تكوين شركة مشتركة بين الطرفين تتولى تنمية وإنتاج هذا الكشف، وبالرغم من أن النظام الأساسي لهذه الشركات يعطي حق التوقيع المشترك على كافة القرارات الهامة لهذة الشركات، ولكن عادة ما يكون الجانب المصري والممثل لوزارة البترول هو الجانب المسيطر على الهيكل الإداري للشركة وطريقة العمل بها وكيفية الصرف بها، بحجة أن ما يقوم الشريك بصرفه سيتم استرداده بعد الإنتاج من بوطقة استرداد التكاليف مما يجعل هذه الأموال أموال عامة يجبب اتخاذ كافة الضوابط لصرفها،مما يجعل اتخاذ القرارات بالشركة عملية صعبة وتعطي الشريك الأجنبي الإحساس بعدم القدرة على التوافق مع نظام إدارة الشركة والسيطرة على الأعداد الزائدة من الموظفين، بالإضافة على التهديد الدائم بعدم الموافقة علي استرداد أى مصروفات يقوم الشريك الأجنبي بصرفها من خلال الشركة والتي لا تتمشي مع توجهات الطرف الأخر .
ولكن إذا تم الإنتاج بنظام الضرائب والإتاوة فإنه لن يكون هناك الحاجة لإنشاء هذة الشركات المشتركة ويقوم الشريك بالإنتاج من خلال هيكله الإدارى فى مصر والذي عادة يكون من المصريين المدربين فنياً وإدارياً مما يكون له انعكاس ايجابي علي كمية الإنتاج وسرعته وجلب مزيد من الإستثمارات المستقبليه .
مما سبق نخلص أن العمل بنظام اقتسام الإنتاج لمشروعات الغاز العملاقة المقدمه عليها مصر ليس هو أحسن الحلول، ولكن يجب التنويه بأن هيئة البترول وايجاس تعمل علي تفادي عيوب هذا النظام بإدخال تعديلات عليه من أنظمه أخري، مما يزيد هذه الإتفاقيات تعقيداً لأنها غير مصممه عليها وتزيد من مخاطر الإستثمار على الشركات العاملة بمصر حالياً،وتقريبا تمنع دخول أى مستثمر جديد .
إذا كانت الفترة القادمة هي فعلاً الفترة التي سيتم التركيز علي البحث والتنقيب عن الغاز فى المياة العميقة للبحر المتوسط كمناطق واعدة لمزيد من الإكتشافات الضخمة، كذلك إذا كانت الحكومة مستمرة فى تحرير سوق الغاز في مصر فإنه قد حان الوقت لترك اتفاقيات اقتسام الإنتاج تماماً والتحول الى نظام الضرائب والإتاوه .
وإذا كانت وزارة البترول تخشي إذا تم ترك العمل بإتفاقيات اقتسام الإنتاج انها ستفتقد أى ميزة تحصل عليها حاليا فإنه يمكن الطمئنه بأن نظام الإتاوة والضرائب سيحقق لها مزايا أكثر، وهذا سيكون موضوع المقال القادم .
ناجى اسكندر: خريج كلية هندسة جامعة عين شمس 1983 حاصل على ماجستير المعاملات البنكية الدولية والدراسات التمويلية من جامعة ساوث هامتون بالمملكة المتحدة، عمل ببعض شركات المقاولات البترولية والبنوك المصرية وخلال العشرين سنة الماضية عمل بشركة أموكو الآمريكية وشركة BP كمحلل اقتصادى ومفاوض متخصص فى مشروعات الغاز والغاز المسال فى عدة دول منها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وترينيداد ومصر، حالياً يعمل بمصر كاستشارى حر.