بقلم – كريستوفير بالدينج
تسببت أخبار ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبى فى الصين بنحو 10 مليارات دولار خلال مارس الماضى بدلاً من انخفاضها، فى إسكات المتشائمين.
ويبدو أن القلق من أن تتراجع الاحتياطيات إلى مستويات خطيرة الصيف الحالى- بعد انخفاضها بما يقدر بنحو تريليون دولار العام الماضي- سابقة لأوانها، ولاتزال الأسئلة تزداد حول كمية الأموال التى تترك الصين ولماذا؟، وربما تكون الصورة الحقيقية ليست وردية كما تشير الأرقام الرئيسية.
وقبل ارتفاع الاحتياطيات فى مارس، تدفقت رؤوس الأموال خارج الصين بوتيرة سريعة، بنحو 48 مليار دولار شهرياً فى المتوسط خلال الستة أشهر السابقة، وذلك وفقاً لبيانات البنك الرسمية، وكانت الأسباب عديدة، منها الخوف من مزيد من التراجع فى قيمة اليوان الذى دفع العديد من الشركات لسداد قروضها المقومة بالدولار، وبحثت شركات أخرى عن استحواذات كبيرة فى الخارج.
وسعى المستثمرون الأفراد وراء العائدات الأعلى فى الوقت الذى كان يستعد فيه بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى لرفع أسعار الفائدة، وأنفقت الحكومة الصينية مليارات لتعزيز قيمة العملة، وخفض بعض الأفراد والشركات ودائعهم المقومة باليوان فى الخارج، ولايزال يتطلع آخرون إلى سحب أموالهم خارج البلاد إلى ملاذات آمنة.
والسؤال هو: كم من الأموال تم سحبها خارج البلاد؟ ولأى أسباب؟.
ويرى بعض المحللين، بما فى ذلك خبراء الاقتصاد فى بنك التسويات الدولى، أن الجزء الأكبر من تلك التدفقات الخارجة كان فى صالح البلاد، إذ استخدمتها الشركات فى سداد ديونها الخارجية.
ومع ذلك، فإن الدراسة التى أعدها بنك التسويات الدولي، التى قدرت أن مثل هذه التسديدات شكلت نحو ربع التدفقات الخارجة التى بلغت 163 مليار دولار خلال الربع الثالث من عام 2015، تركز على مدة قصيرة من الزمن، وارتفعت التزامات الدين الخارجى سريعاً فى أواخر عام 2014 والنصف الأول من عام 2015، ثم تقلصت بشكل كبير فى الربع الثالث.
علاوة على ذلك، فما غاب عن تلك الأرقام الرسمية هى التدفقات الخارجة الخفية، التى تأتى فى صورة مدفوعات الاستيراد، التى يبدو أنها خلفت عجزا فى الحساب الجارى بقيمة 71 مليار دولار خلال الربع الثالث من عام 2015، وذلك وفقاً لبيانات المدفوعات الذى يصدره القطاع المصرفى.
وفى الواقع، فإن المغامرين الصينيين يدفعون أكثر بكثير من قيمة المنتجات التى يستوردونها، إذ قال مسئولو الجمارك إن قيمة الواردات بلغت 1.68 تريليون دولار العام الماضي. وعلى الجانب الآخر، ادّعت البنوك أنها دفعت 2.2 تريليون دولار لتلك الواردات ذاتها.
بينما سجل ميزان المدفوعات الرسمى فائضا فى الحساب الجارى بلغ 331 مليار دور فى عام 2015، وأظهرت بيانات المصروفات والمدفوعات فى البنوك عجزاً بقيمة 122 مليار دولار.
ويعد الدفع أكثر من القيمة الحقيقية للخدمات والبضائع طريقة ذكية بالنسبة للشركات والمواطنين الصينيين لتحويل أموالهم خارج البلاد خلسة، فعلى سبيل المثال، إذا كانت دولة أجنبية ما تصدر بضائع بقيمة مليون دولار للصين، فسيسجل مسئولو الجمارك بأمانة، أن قيمة الواردات مليون دولار، ولكن عندما يذهب المستورد إلى البنك، فسوف يستخدم إما وثائق مزورة أو يرشى مسئول البنك ليسجل مدفوعات بقيمة 2 مليون دولار لنظيره الأجنبى، ومن المفترض أن ينتهى الحال بالمليون دولار الزائدة فى حساب مصرفى خاص.
والوقت أيضاً يحمل معلومات فى طياته، إذ بدأ التضارب فى الأرقام فى النمو سريعاً فى عام 2012، عندما بلغ النمو ذروته وبدأت المخاوف فى الارتفاع بين الصينيين الأثرياء حيال الاقتصاد والانتقال السياسي، ومنذ ذلك الحين، ارتفعت مدفوعات الواردات المزورة من 140 مليار دولار إلى 524 مليار دولار فى 2015.
وسيساعد التدقيق فى مدفوعات البنك وتشديد ضوابط رأس المال، فى الحد من التدفقات الخارجة، ولكن مثلما اكتشف رجال الأعمال هذه الوسيلة الجديدة لنقل الأموال إلى الخارج، فمن المؤكد أنهم سيجدوا وسائل مبتكرة يحتالوا بها على أى قيود إضافية مفروضة.
ويئن الاقتصاد الصينى تحت الزيادة المفرطة فى الإنتاج مع تباطؤ النمو وارتفاع المخاطر المالية، ولن يخفف خفض أسعار الفائدة أو أى حزمة تحفيزية أخرى من هذا التشاؤم على المدى الطويل، وربما يخفف الإصلاح منه، بما فى ذلك الإصلاح القانونى، وإذا أراد قادة الصين الإحالة دون هروب رؤوس الأموال من البلاد، فسيتعين عليهم معالجة أسباب هذا الهروب وليس فقط نصب الحواجز فى طريقه.
إعداد – نهى مكرم
المصدر – وكالة انباء بلومبيرج