رغم أن أزمة زيادة المعروض من البترول الخام لا تزال تلوح فى الأفق، إلا أنه يبدو أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها الإقليميين بصدد الاستفادة من هذا الوضع.
وقالت وكالة أنباء «بلومبرج» إن دول الخليج تعتزم رفع طاقتها الإنتاجية، لسد الهوة الناتجة عن انعدام الاستثمارات فى جميع المشروعات الجديدة، ضمن ما يمكن وصفه بالانتقال إلى المرحلة الثانية من استراتيجية المملكة العربية السعودية للدفاع عن حصتها فى السوق ضد المنتجين المنافسين (وبالأخص الصخر الزيتى الأمريكى).
قد يبدو غريبًا الحديث عن نقص فى إمدادات الطاقة فى الوقت الذى يبدو فيه العالم يعانى من تخمة المعروض وامتلاء صهاريج التخزين بالبترول الخام، أضف إلى ذلك أن شركات البترول المدرجة بالبورصات العالمية تقوم بتقليص حجم نفقاتها للسنة الثانية على التوالى، ولعل ذلك قد دفع نيل أتكنسون، مدير قسم صناعة وأسواق البترول بوكالة الطاقة الدولية للتحذير من وقوع مفاجآت كارثية تتعلق بأمن الطاقة يُحتمل حدوثها خلال فترة «ليس بالبعيدة».
هناك بعض المشروعات الجديدة التى وافقت عليها شركات بترولية غير حكومية لتعويض معدلات التراجع الحتمية فى إنتاج الحقول الحالية وتلبية الطلب الإضافى، ومن المتوقع أن يرتفع الانتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميًا سنويًا حتى انتهاء العقد الحالى، وعندما سيبلغ سعر البرميل 100 دولار، ومع إشارة التوقعات إلى استمرار السعر عند هذا الحد، ستطون هناك قرارات استثمارية يبدأ الإنتاج فى حقول جديدة العامين الجارى والمقبل.
يتضح تمامًا أن انهيار معدلات الإنفاق لدى أى شركة بترولية ينعكس تمامًا على مستويات أنشطتها للحفر والتنقيب، وبعد كل شىء، إذا كنت لا تقوم بتلك الأنشطة، لا يمكنك الحصول على البترول الموجود فى باطن الأرض.
وأجرت شركة «بيكر هيوز» للخدمات البترولية تحديثات على إحصاءاتها العالمية للأنشطة الشهرية للحفارات البترولية فى الأسبوع الماضى، وقد أظهرت انخفاضًا حادًا آخر فى عدد منصات التنقيب على البترول، حيث تراجعت بنسبة 12% بين شهرى فبراير ومارس الماضيين، وتراجع عدد الحفارات قيد التشغيل لـ 1.551 منصة فى الشهر الماضى، بالنسبة للدول التى رصدتها الشركة، وهو أدنى تراجع لها منذ سبتمبر 1999 والذى بلغت نسبته 60% على مدى أكثر من عام.
ولكن هناك بعض المناطق الأخرى من العالم تخالف هذا الاتجاه، وتضطلع بمهام الحفر والتنقيب بحالة من الشراسة لإضافة المزيد من القدرات الانتاجية اللازمة عندما يتجاوز الطلب العرض مرة أخرى، وتشهد – ثلاثة بلدان فى شبه الجزيرة العربية – بما فى ذلك المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة- معدلات حفر شبه قياسية.
كما أن الدول الثلاث شهدت أعمال حفر بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق، منذ 20 عامًا، فى عام 2015 ولا زالت أنشطة الحفر والتنقيب قريبة من هذا المستوى، إذ إن التوسع فى حقل «شيبة» فى المملكة العربية السعودية سيضيف بالضرورة 250 ألف برميل يوميًا خلال وقت مبكر من يونيو القادم، فى حين أن حقل بترول «خريص» يمكن أن يضيف بدوره 300 ألف برميل أخرى بحلول نهاية عام 2017.
ومن جانبها، قالت شركة «أرامكو» السعودية المملوكة للدولة أن هذا كله سيتيح تخفيف عمليات الضخ من الحقول القديمة حاليًا، فضلاً عن المحافظة على وصول الطاقة الإنتاجية إلى أكثر من 12 مليون برميل يوميًا، بمعدل أعلى 2 مليون برميل عن المستوبات الإنتاجية الحالية.
أما بالنسية للكويت والإمارات العربية المتحدة، فإن الطاقة الإنتاجية المستهدفة أعلى من ذلك، وتخطط الكويت لزيادة طاقتها الإنتاجية بنسبة 5% من 3 ملايين برميل يوميًا بحلول الربع الثالث من العام الجارى، لتصل إلى 4 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2020، كما أن إمارة أبوظبى تعمل على رفع طاقتها الإنتاجية من 3 ملايين برميل حاليًا إلى 3.5 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2017.
وإن حجم التوسعات السعودية فى الحقول البترول والغاز متساوية تمامًا، فهناك قفزة فى عدد منصات التنقيب عن الغاز من نحو 20 فى أوائل عام 2013 إلى 60 منصة خلال الشهر الماضى، حيث تحاول المملكة تطوير مواردها الخاصة لدعم صناعة البتروكيماويات التى تشهد نموًا وتحرير الصادرات البترولية.
لا شك أن الجزء الأول من استراتيجية المملكة العربية السعودية للحفاظ على «حصتها السوقية» كان يشمل رفض الأخيرة مواصلة خفض الإنتاج لدعم المنتجين ذوى التكلفة العالية فى مناطق أخرى، ونتيجة لذلك، تراجع إنتاج الولايات المتحدة بنحو 600 ألف برميل يوميًا من أعلى مستوياته الأخيرة، فضلاً عن التراجع الذى تبعه فى غيرها من المناطق الإنتاجية ذوى التكلفة العالية.
رغم أن السعوديين ربما لم يعلن عن الجزء الثانى من استراتيجيتهم بعد، إلا أنها بدأت انطلاقتها بشكل جيد.