احتواء إمبراطورية الشر استراتيجية منتهية الصلاحية للولايات المتحدة
قال تقرير نشرته مجلة فوربس الأمريكية، إن تركيا بعد محاولة الانقلاب، الأسبوع الماضى، بات لديها ما يؤهلها ليصبح أردوغان فلاديمير بوتين بالنسبة للجانب الأمريكي.
قال المحلل الأمريكى داوج بانداو، إن التطورات الضبابية فى تركيا تذكر واشنطن بأنه من الصعب لمسئوليها الاستمرار فى لعب دور المهندسين الاجتماعيين للعالم، فبدلاً من التدخل باستمرار فى طموح إصلاح دول أخرى يجب عليها أخذ خطوة إلى الوراء، عندما لا تتأثر مصالحها الحيوية، وعادة ما يكون الأمر كذلك، وستكون قاعدة لا ضرر ولا ضرار مفيدة جداً للسياسة الخارجية الأمريكية.
وأشار المحلل الأمريكى إلى انضمام أنقرة إلى منظمة حلف شمال الأطلنطى (ناتو) خلال الحرب الباردة، حيث كانت الولايات المتحدة غير معنية كثيراً بما إذا كانت تركيا دولة ديمقراطية أم لا نظراً إلى رغبتها فى تأمين منطقة البلقان، وإبراز قوتها فى الشرق الأوسط، باعتبار أن الهدف الأول كان احتواء إمبراطورية الشر فى المنطقة، المتمثل فى الاتحاد السوفييتى فى ذلك الوقت.
لكن الولايات المتحدة كان يجب عليها أن تنهى هذه السياسة مع انهيار الاتحاد السوفييتى، وتفكك حلف وارسو، وتعتمد الصداقة بدلاً من التحالف ليصبح هدفها الأساسي. ومع نهاية الحرب الباردة كانت تركيا شكلياً دولة ديمقراطية لها برلمان منتخب، لكن الجيش لا يزال يمارس قوة غير عادية ساعدته على إسقاط الحكومة المنتخبة فى وقت متأخر من عام 1997.
ويضيف أنه للأسف، واشنطن قررت استخدام وضعها الجديد كقوة عالمية وحيدة لإدارة الشرق الأوسط، فبدأت إدارات متعاقبة سلسلة من التدخلات غير المدروسة.
ومن الأمثلة السيئة حرب الخليج الأولى فى عهد جورج بوش الأب، واستمرار القصف على العراق خلال إدارة بيل كلينتون، وإطلاق جورج بوش الابن حربين انتهتا بعملية إعادة بناء للأمة تحتاج لسنوات فى كل من أفغانستان والعراق (دون تحقق ذلك إلى الآن).
وفى عهد الرئيس الحالى باراك أوباما، كان التدخل فى ليبيا غير مدروس، أيضاً مثله مثل حملة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية فى الشام والعراق، ومساعدات المسلحين السوريين، ودعم الهجوم السعودى على اليمن، و(مجازر) الطائرات دون طيار فى باكستان واليمن.
وقد اعتمدت واشنطن كثيراً على القواعد العسكرية فى تركيا لتنفيذ أعمال القصف الجوى، وخلال المرة الوحيدة التى قالت أنقرة فيها، لن نسمح باستخدام أراضينا لقصف العراق فى عام 2003، اقترح نائب وزير الدفاع الأمريكى، أن يطيح الجيش التركى بالحكومة المدنية.
ومع ذلك، غير الرئيس الحالى رجب طيب أردوغان السياسة التركية فى ذلك الوقت كمصلح لبلاده، وحصل على دعم الولايات المتحدة وأوروبا، حيث نظرتا إلى تركيا باعتبارها نموذجاً للدولة الإسلامية المعتدلة والديمقراطية.
وقد زار الرئيس باراك أوباما تركيا، حيث حثَّ الاتحاد الأوروبى على ضمها إليه، ويمكن للمرء بالطبع أن يتخيل رد الفعل الأمريكى إذا زارت المستشارة الألمانية المكسيك، وحثت واشنطن على تدشين اتحاد أمريكا الشمالية فى نموذج لتدخل سافر.
ولكن حوالى عام 2010 بدأت التجربة التركية تتأزم، فتراجعت واجهة أردوغان الليبرالية، ويبدو أن الغرب اعتبر أنه يتحور ليرتد إلى الماضى الفاسد والمستبد لتركيا، بينما اعتبر فريق آخر أنه دفع، أيضاً، بالإسلام الأصولى أكثر فى المجال العام، لكنه لم يتفاعل بشكل جيد مع انتقادات أصدقائه، ولو لمرة واحدة فى أمريكا وأوروبا.
كما تبنى أردوغان سياسة خارجية لا تقوم على المشورة الدولية، حيث قرر أنه يريد إسقاط حليفه السابق، الرئيس السورى بشار الأسد، وسعى إلى سحب الولايات المتحدة فى خضم ذلك الصراع. ولكن حتى وقت قريب تحول الغضب باتجاه أردوغان نظراً إلى غضه الطرف عن استخدام الدولة الإسلامية بلاده كقاعدة وطريق للعبور إلى سوريا.
ثم فى الخريف الماضى خاطرت أنقرة فى مواجهة مع روسيا بإسقاط واحدة من الطائرات الحربية للأخيرة لانتهاكها لفترة وجيزة المجال الجوى التركى، لكنه قرر مؤخراً إصلاح تلك العلاقة، ووجدت واشنطن نفسها مرتبطة بشكل غير مريح لحكمه غير المستقر والقمعى على حد وصف بانداو.
وعلى الرغم من أن الأسبوع الماضى دعمت الولايات المتحدة أردوغان كرئيس منتخب شرعياً، كانت نظريات المؤامرة التى تنطوى على تورط واشنطن فى التدبير للانقلاب العسكرى ضده منتشرة فى تركيا.
وقال وزير العمل، إن الولايات المتحدة تقف وراء الانقلاب. ورغم نفى واشنطن، فإن أمريكا تدخلت لوقت طويل فى الشئون التركية، حتى إن بعض الأتراك لا يمكن أن يعتقدوا أنها لن تفعل ذلك مجدداً، فيما هرع وزير الخارجية جون كيرى لإظهار الدعم الأمريكي.
تظهر العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا كيف أنه من الصعب وقف التدخل بمجرد أن يبدأ، فواشنطن باستمرار وعادة بطريقة عبثة تتدخل فى محاولة إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهذا يتطلب المساعدة التركية، ما يتطلب بدوره صداقة مع أى حكومة فى السلطة، مهما كانت متناقضة مع قيم الولايات المتحدة.
يجب ألا تكون واشنطن معزولة عن العالم، ولكن يجب التوقف عن محاولة تغيير العالم بالقوة، ففى تركيا وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة لاحتضان رجل لا يمكن الوثوق به لدعم حرية الناس فى الداخل أو محاربة التطرف الإسلامى فى الخارج؛ نتيجة لذلك الأسلوب الذى لم يعد يجدى نفعاً.