بقلم: على مقداد
يبدو أن معظم التقدم الذى حققته الدول العربية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العقود الأخيرة، انقلب نتيجة عدم الاستقرار السياسى والحروب الأهلية التى تجتاح المنطقة.
ونلاحظ هذا الانحدار بشكل خاص فى الأنظمة الصحية فى مصر والأردن وليبيا وسوريا وتونس واليمن، التى كانت تشهد تحسناً مطرداً فى هذا المجال سابقاً.
وقبل عام 2010، ارتفعت متوسطات العمر المتوقعة للفرد فى هذه البلدان بجانب انخفاض أعباء الأمراض المعدية ومعدلات وفيات الأطفال والأمهات.
أما اليوم، فقد ضاعفت المشكلات فى نظامها الصحي، الأزمات والمعاناة الناشئة من الصراعات العديدة فى المنطقة.
ويتضح ذلك فى دراسة شاركت فيها، مؤخراً، لصالح مجلة «ذا لانسيت»، التى فحصت بيانات واردة فى دراسة العبء العالمى للمرض لعام 2013 لتحديد آثار تدهور الأنظمة الصحية فى الدول الشرق أوسطية.
ووجدنا أن متوسط العمر المتوقع تراجع فى جميع الحالات منذ 2010.
وعلى سبيل المثال، إذا كان معدل الزيادة فى متوسط العمر الذى تحقق فى الفترة من 1990 إلى 2008 فى سوريا استمر، لكان العمر المتوقع للنساء أعلى بـ5 سنوات، و6 سنوات للرجال عما هو الآن.
وفى ليبيا تراجع متوسط العمر المتوقع بمقدار 6 سنوات للنساء و9 سنوات للرجال، وفى مصر وتونس واليمن، هبط بمقدار 0.25 عام فى الفترة ما بين 2010 و2013.
ويعد التراجع فى متوسط الأعمار فى سوريا وليبيا متوقعاً، بالنظر إلى الحروب الأهلية فى الدولتين. وفى البلاد التى تمزقها الحروب، عادة يكون تدمير البنية التحتية عشوائياً. ورغم أن القرارات الدولية تمنع الهجوم على منشآت الرعاية الصحية، فإن هذه الهجمات تحدث بشكل متكرر.
وعلاوة على ذلك، فى الحروب والاضطرابات الاجتماعية الحادة، يهرب المتخصصون فى المهن الطبية والصحة العقلية إلى أماكن أكثر سلامة، ما يحرم الباقين، أياً كانت حالتهم أو دخلهم، من العلاجات الأساسية لكل شيء بدءاً من الإصابات الجسدية إلى إدمان المخدرات والكحول.
وتظهر الاتجاهات الصحية السلبية حتى فى الدول التى تختبر نمواً اقتصادياً، ففى قطر والإمارات تزداد معدلات إدمان المخدرات والكحول، ما يشير إلى أن التوتر الناجم عن مجرد القرب من المناطق التى تشهد عنفاً، بجانب زيادة الانفتاح والنمو الهائل فى إنتاج المواد المخدرة غير المشروعة، قد يدفعان الناس لإدمان المخدرات كآلية للتكيف.
وتتحمل المناطق المجاورة أعباء متزايدة من أكبر أزمة لاجئين فى 70 عاماً. وأدى تدفق اللاجئين إلى لبنان والأردن إلى سحق التدابير الصحية، ما أدى إلى تفشى الأمراض المعدية وعودة ظهور بعض الأمراض التى كان قد تم القضاء عليها مثل شلل الأطفال بين اللاجئين السوريين فى العراق.
وببساطة، تعد معظم الدول التى استقبلت اللاجئين غير مجهزة للتعامل مع مثل هذا التدفق الضخم من الأشخاص الذين يحتاجون خدمات صحية واجتماعية.
وينذر التدهور السريع لأنظمة الرعاية الصحية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى نصف العقد الماضى بالقلق. ولكن التقدم الذى أحرزته العديد من الدول فى المنطقة فى العقود السابقة يوفر أسباباً للأمل بأن الأوضاع الحالية قد تتبدل، وربما يساعد مزيد من الاستثمار فى التعليم والتشخيص والعلاج، على تقليل آثار الأمراض العقلية التى لا تزال قائمة فى العديد من الدول العربية.
ومع ذلك، فإن استئناف التقدم فى مجال الرعاية الصحية فى المنطقة مستحيل، فى ظل غياب الحلول السياسية التى تقلل العنف والاضطرابات الاجتماعية.
وخلصنا فى دراستنا إلى أن «منطقة شرق أوسط ذات أنظمة رعاية صحية جيدة، هى نتاج لمنطقة شرق أوسط مستقرة سياسياً يستفيد منها العالم أجمع».
ويعد بث الاستقرار فى دولة تجتاحها النزاعات هو شرط أساسى لتحسين نظام الرعاية الصحية الخاص بها. وبمجرد تحقيق هذا الاستقرار، ينبغى تكثيف الجهود الإقليمية والمحلية لتحسين الوقاية من الأمراض، والبنية التحتية للرعاية الصحية، ووضع المنطقة مجدداً على مسار تحقيق حيوات أفضل وأكثر صحة لشعبها.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع «بروجكت سينديكيت»