لا يختلف أحد على أننا مع الدولة فى سعيها للنهوض وإعادة البناء وأن مصر عانت سنوات طويلة وتخلفت عن ركب التقدم فى عالم يتطور بين عشية وضحاها.. ولكن هذه النهضة لن تتحقق ما لم تكن هناك رغبة حقيقية وإرادة قوية نحو التغيير ولقد شهدت مصر عصوراً من النهضة منذ الفراعنة فى القدم حتى تجربة محمد على فى العصر الحديث وما تلاها من محاولات للنهوض فى العهد الملكى ثم ثورة يوليو 52 وكانت تجربة مصر فى النهوض دروساً لدول أخرى رغبت فى نقل هذه التجربة لبلادها.. اليابان أرسلت وفداً لدراسة النهضة المصرية فى نهاية القرن التاسع عشر ثم كوريا فى الخمسينيات.. الآن أين اليابان وأين كوريا وأين نحن نعم هناك أزمات ومشكلات تواجهنا الآن ولكن هل هذه الأزمات لا حل لها وهل هذه المشكلات لم تواجه دولاً أخرى وتجاوزتها.
الأمر يختلف فى كيفية التعامل مع هذه الأزمات بديهياً يجب أن نعترف بالمشكلات وأن لدينا إرادة حقيقية لحلها لابد الالتفاف حولها والطنطنة فى كل وقت وحدث بأن لدينا مشكلات دون أن نقول بأننا سنحلها بهذه الطريقة وتلك.. ولا يجب أن نكابر وندرس تجارب دول أخرى واجهت مثل هذه المشكلات والأزمات وقد اتيحت لى زيارة كوريا الجنوبية مؤخراً ورأيت بلداً مزيناً بمظاهر النهضة فى البناء وثقافة الالتزام والعمل والاجتهاد.. وبسرعة قارنت ذلك بما نحن فيه وجدت أن مصر تستطيع أن تنهض من جديد لو توفر لها إرادة التغيير التى قادت نهضة كوريا.
وخلال العام الحالى أيضاً كانت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لكوريا الجنوبية تستهدف كيفية الاستفادة من التجربة الكورية.. ولقائه بالمسئولين بشركة «إل جى» وكيفية زيادة استثماراتهم فى مصر. وقتها كانت «إل جى» بدأت تعانى من مشكلة نقص الدولار فى مصر ونقلوا هذه المشكلة للرئيس السيسى ولم تتخذ «إل جى» قراراً بنقل استثماراتها لدولة أخرى أو تغلق مصنعها فى مصر.. بل واصلت عملها.. لأنها تدرك أهمية السوق المصرى لمنتجاتها محلياً وأفريقياً.
وكوريا الجنوبية حتى نهاية الخمسينيات تعيش فى غياهب الظلام بسبب حروبها مع كوريا الشمالية.. ولكن عندما جاءتها الفرصة واستثمرت علاقتها بأمريكا التى طلبت من كوريا مساعدتها فى حرب فيتنام سأل الرئيس الأمريكى قادة كوريا ماذا تريدون منا لم يطلبوا مساعدات مالية بل طلبوا إرسال موظفين من الجهاز الحكومى بكوريا للتدريب فى أمريكا على النظم الحديثة.. هذه هى إرادة التغيير لم يطلبوا معونات أو مساعدات أو سلاح بل طلبوا العلم ومن هنا بدأت نهضة كوريا التى بدأت بصناعة البتروكيماويات رغم أنه لا يوجد لديها نفط.. الأمر الذى سهل لها دخول عالم الصناعة عبر صناعة تكرير البترول ثم ركزت على صناعة الملابس الجاهزة وبناء السفن ثم صناعة السيارات والالكترونيات، وحينما تسير فى شوارع العاصمة الكورية «سول» تحيط بك سيارات هيونداى وكيا من كل جانب، قليلاً ما تجد أنواعاً أخرى من السيارات يشجعون إنتاج مصانعهم.. ونفس الأمر فى الالكترونيات، زرت متاجر ومعارض لشركة «إل جى» وسمعنا كيف أن الطلب المحلى قبل العالمى مرتفع على منتجات «إل جى» التى تنتشر الآن فى كل دول العالم وتمثل إيرادات «إل جى» ما يوازى ثلث دخل كوريا الجنوبية.
وتمتلك «إل جى» 63 شركة فى الالكترونيات والكيميكال.. وبلغت إيراداتها العام الماضى نحو 136 مليار دولار، وأصبح برجى «إل جى» بسول أحد معالم كوريا الجنوبية.. هذه كوريا التى أصبحت فى المراكز الأولى فى الاقتصادات العالمية وناتجها القومى يتجاوز التريليون و300 مليار دولار.. وفيما سألنا مسئولى «إل جى» عن استثماراتهم فى مصر التى تقترب من نحو 200 مليون دولار، قالوا إن لديهم مصنعاً لتصنيع أجهزة التلفاز ولكنهم يطمحون فى التوسع وتصنيع الغسالات الكهربائية بمصر ولكن أزمة الدولار وصعوبة توفيره لاستيراد الخامات وقطع الغيار تعوقهم عن البدء وهذه رسالة للمسئولين فى مصر استثمارات جاهزة تنتظر من يأخذ بيدها.. فهل نتركها تتجه لدول أخرى أم نمسك بها؟!
يا سادة.. الذين يريدون التغيير لا يصنعون المشاكل.. والذين يريدون الاستثمار لا يصنعون العراقيل.