
بقلم: فيشنو بادياتشي
شهدت اثنتان من دول البريكس، وهما الهند وجنوب أفريقيا، الآونة الأخيرة، حلقات من مسلسل عدم الارتياح ازاء إدارة بنكيهما المركزيين.
وتعرض راجورام راجان، محافظ بنك الاحتياطى الهندي، لمضايقات فى أداء مهمته من قبل السياسيين الذين ينتمون إلى الحزب الحاكم «بهاراتيا جاناتا»، وكذلك واجه بنك الاحتياطى فى جنوب أفريقيا الذى ظل بعيداً عن التدخل السياسى بشكل ملحوظ، علامات عدم الرضا من قبل كبار السياسيين فى الحزب الحاكم الموالى للرئيس جاكوب زوما.
وتمثل هذه الحوادث تهديدات خطيرة محتملة تجاه استقلال البنوك المركزية فى البلدين، وحُسن سير العمل ومصداقية مؤسسات الدولة الرئيسية والأداء الاقتصادي.
هذا لا يعنى أن طريقة عمل البنوك المركزية لا يمكن أن تتطور، فهناك الكثير يمكن عمله لتحويل أى بنك مركزى إلى نظام أكثر ديمقراطية يتمتع بالاستقلال دون تهديد استقلاليته، ويرتبط هذا على سبيل المثال، بطريقة عمل السياسة النقدية وتكوين البنك، والشفافية والمساءلة.
ومن المفيد المقارنة بين خبرات بنك الاحتياطى الهندى فى الآونة الأخيرة مع ما يحدث فى جنوب أفريقيا، رغم أن الحالتين غير متطابقتين بأى حال من الأحوال من حيث المبدأ أو التفاصيل، ولكن كلاهما يشير إلى حقيقة أنه من الممكن للأحزاب السياسية التدخل فى شئون البنوك المركزية، حتى إذا كان لها تاريخ طويل من الاستقلال.
حالة بنك الاحتياطى الهندي
تولى راجان، محافظ بنك الاحتياطى الهندى بين عامى 2013 و2016، وهو خبير اقتصادى شهير ذو سمعة طيبة، وبعد عام من تعيينه فاز حزب بهاراتيا جاناتا فى الانتخابات الوطنية، ووصل للسلطة تحت قيادة نارندرا مودي.
وتعرض منذ عام 2015 لهجوم احتدمت شدته فى 2016 من قبل عناصر فى حكومة الحزب الحاكم اليمينة،
قاده بشكل رئيسى سوبرامانيان سوامي، نائب الحزب فى مجلس النواب بهاراتيا جاناتا، وكتب خطاباً إلى رئيس الوزراء مودى اتهم فيه راجان بمحاولة تخريب الاقتصاد الهندي، مشيراً إلى أن محافظ البنك المركزى من الناحية العقلية ليس «هندياً خالصاً» بما أنه يحمل البطاقة الأمريكية الخضراء للإقامة الدائمة من الولايات المتحدة.
وأشاد «مودى» فى البداية بمحافظ البنك المركزى ولكنه فى النهاية تراجع قليلاً عن ذلك هو ووزير المالية أرون جيتلي، ودون هذا الدعم الحكومى شعر راجان، أنه لا يوجد أحد يمكن الدفاع عنه، وصوت ضد حصوله على ولاية ثانية كان مؤهلاً.
مفهوم الاستقلال
وبدأ الترويج لفكرة تعزيز استقلال البنك المركزى بقوة فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث شعر الأكاديميون وأصحاب المدراس الاقتصادية بقلق متزايد إزاء التدخل السياسى فى عملهم.
وأعقب هذه الحركة إدراج الحكومات لقوانين استقلال البنك المركزى على نطاق واسع، فيما لا يقل عن 30 بلداً فى جميع أنحاء العالم بين عامى 1990 و1995.
والحجة المعتادة لاستقلال البنك المركزى هى حماية السياسة النقدية من استغلال الحكومات وضغوط الرأى العام لاتخاذ قرارات مثل رفع أو خفض أسعار الفائدة لتحقيق غايات انتخابية خاصة.
وقد يرغب الناخبون فى اتخاذ البنك المركزى نهجاً أكثر اعتدالاً للتضخم، وعلى سبيل المثال طالب اتحاد نقابات العمال بتعديل سقف التضخم فى البلاد الحالى (3% – 6%) لأن البنك المركزى رفع أسعار الفائدة بهدف إبقاء التضخم ضمن هذه النسبة، وهذا بدوره يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي، ولا سيما توفير فرص العمل.
وهذا النوع من الضغوط يتجاهل الأثر المدمر للتضخم على الفقراء، ويهتم فقط بجذب الاستثمارات، لكن يمكن أن تعيش الدول مع تضخم معتدل ما دامت معدلات النمو قوية بما فيه الكفاية.
الحجة المناهضة لاستقلال البنوك المركزية
وترتكز الحجة المضادة لاستقلال البنك المركزي، على أن السياسة النقدية متعلقة بإبقاء معدلات التضخم تحت السيطرة والمحددات الرئيسية لأداء الاقتصاد الكلى للبلد والرفاهية الاقتصادى وكلها أمور يجب أن تخضع لمسئولية الحكومات المنتخبة ديمقراطياً؛ لأنها المسئولة عن ذلك الأداء.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن القرارات التى تتخذها البنوك المركزية ليست فنية فقط يجب تركها لمجموعة من الخبراء، لكنها تنطوى على أحكام حول المفاضلة بين التضخم المرتفع أو زيادة البطالة كأولوية اقتصادية فى أى مجتمع، لذا يجب أن تمثل هذه المقايضات قيم الناس الذين يشكلون المجتمع.
وفى حالة جنوب أفريقيا، كرّس الدستور استقلال البنك المركزي، وهذا يعنى أنه قد يكون آمناً نسبياً من الهجوم المباشر الكامل من قبل فصيل زوما، فى حزب المؤتمر الوطنى الأفريقي، ولكن وقع هجوم من أطراف جانبية خاصة فى المسائل المتعلقة بالرقابة على الصرف وتدفق رأس المال.
ودفعت الخلافات حول هذه النقاط بالفعل عائلة جوبتا، التى ترتبط بشكل وثيق بزوما، للتهديد بسحب استثماراتها من جنوب أفريقيا فى تجسيد لمحاولات ممارسة ضغوط على عمل البنك المركزي.
المصدر: مجلة ذى كونفرسيشن
إعداد: ربيع البنا