لا أحد يستطيع أن يتجاهل الشرخ فى العلاقات المصرية السعودية على خلفية اختلاف وجهات النظر وتباين المواقف إزاء قضايا إقليمية.
نتيجة لذلك كان من الطبيعى أن تلقى تلك الخلافات بظلالها الثقيلة على العلاقة التاريخية بين البلدين الشقيقين، وتتأثر العلاقات التجارية تبعاً للتوتر على صعيد المواقف السياسية.
فى الأسبوع الماضى، حظرت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية مؤقتاً استيراد ثمار الفلفل بجميع أنواعه من مصر، بعد أن تم فحص وتحليل عينات من الفلفل وثبوت استمرار ورود شحنات لفلفل عالق بها بعض متبقيات المبيدات التى تسبب العديد من الأمراض الضارة أخطرها الالتهاب الكبدي. وسوف يسرى قرار الحظر السعودى اعتباراً من تاريخ 12 فبراير 2017.
إلى هنا يبدو أن الأمر طبيعى يحدث نتيجة خلافات بشأن عدم الالتزام بمعايير متبقيات مبيدات الآفات فى الخضروات المصدرة إلى السعودية. لذلك كان قرار السعودية وقف الاستيراد «مؤقتاً» إلى حين التزام الجانب المصرى بالمعايير المعتمدة.
وكما هو متوقع، يلجأ بعض الصحفيين ووسائل الإعلام والمسئولين إلى استغلال هذا الحدث فى سياق مخالف ليأخذ أبعاداً ضخمة ذهبت إلى أبعد بكثير مما يعنيه هذا القرار لزراعة الفتن وهياج الأنفس على طريقة نافخ الكير.
والمؤسف أن أقرأ تصريحاً لأحد المسئولين يقول إن «قرار السعودية بمنع استيراد الفلفل المصرى من المرجح أن يكون سياسياً وهدفه اخضاع مصر اقتصادياً مثلما حدث مع الولايات المتحدة عندما حظرت استيراد الفراولة وبعض الصادرات المصرية من قبل».
وفى تصريح لأحد أعضاء مجلس النواب قال إن «هذا القرار ليس الأول منذ توتر العلاقات فسبق أن منعت السعودية تصدير النفط لمصر، وإن القرار السعودى يعتبر نوعاً من التضييق على حركة التجارة المصرية».
بالطبع مثل هذه التصريحات غير المسئولة تزيد عمق الخلافات بين مصر والسعودية، وتصور أن سبب المشكلة له أبعاد سياسية بينما الحقيقة بعيدة تماماً عن هذا التصور.
وقد قرأت تصريحاً لأحد المسئولين فى الحكومة يشير إلى أن وزارة الزراعة والجهات المسئولة عن إصدار شهادات فحص الصادرات الزراعية ونسب متبقيات المبيدات عليها، هى المسئولة عن هذا الخطأ، لأنها تقدم فى كثير من الأحيان شهادات صورية ولا تتحقق فعلاً من نسبة المتبقيات.
فالمشلكة مصدرها التهاون فى تطبيق المعايير وشروط التصدير، والخطأ يرجع إلى المصدرين الذين لم يلتزموا بالنسب المسموح بها من متبقيات المبيدات.
وبالرجوع إلى حجم العلاقات التجارية بين مصر والسعودية، نجد أنها قوية رغم التوتر الذى يحدث بين الحين والآخر. فقد بلغ إجمالى الاستثمارات السعودية فى مصر 6 مليارات دولار، خلال الفترة من 1970 وحتى سبتمبر 2016، بالإضافة إلى أكثر من 3 آلاف شركة سعودية تعمل فى مصر توفر نحو 38 ألف فرصة عمل. كما سجل حجم التبادل التجارى بين مصر والسعودية نحو 6.4 مليار دولار فيما تقدر الصادرات للسعودية بنحو 4 مليارات دولار، مقابل واردات سعودية إلى مصر بنحو 2.4 مليار دولار.
ومع يقينى أن التوترات على الساحة السياسية قد تؤثر على العلاقات التجارية بين الدول، إلا أن المتابع لتطور العلاقات المصرية السعودية منذ تأسيس المملكة العربية السعودية فى عام 1932، يلاحظ أن العلاقات شابها فترات توتر لم تدم طويلاً ثم انفراج وانفتاح مدعوماً بالصلات التاريخية بين الشعبين الشقيقين.
فبينما نريد تحسين الأوضاع وزيادة حصيلة مصر من العملة الأجنبية، أدعو المسئولين فى وزارة الزراعة والجهات المختصة إلى تشديد الرقابة على الصادرات الزراعية. كما أدعو المصدرين إلى الالتزام بالمعايير المعتمدة فى عقود التصدير. أما الإعلاميون وحاملو لقب «خبير»، فأدعوكم أن تتحروا الحقيقة أو تلتزموا الصمت.
[email protected]