بقلم/أناتول كالتسكى
عادة ما يقدم الخبراء الاقتصاديون توقعاتهم للعام الجديد فى بداية يناير. ولكن الأحوال العالمية العام الحالى ليست تقليدية بالمرة، لذا يبدو من الأنسب الانتظار حتى يستقر دونالد ترامب فى البيت الأبيض لتقييم بعض المفاجأت التى قد تهز الاقتصاد العالمى والأسواق المالية فى عهده.
ولكن، إذا قدمنا توقعاتنا استنادا على تحركات السوق والأحوال الحالية، قد يتفاجئ العالم بثلاثة تطورات تحويلية محتملة.
بداية، قد تتسبب سياسات ترامب الاقتصادية فى ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية والتضخم بأكثر مما تتوقعه الأسواق المالية. فبمجرد أن يبدأ ترامب تطبيق سياساته، سيضيق «مجلس الاحتياطى الفيدرالى» على الأرجح سياسته النقدية بوتيرة أسرع من المخطط لها، وليس بوتيرة أبطأ كما يتوقع السوق.
والأهم من ذلك، أنه مع تعزيز سياسات ترامب للنشاط الاقتصادى الحقيقى والتضخم، سترتفع بحدة أسعار الفائدة طويلة الأجل، التى تؤثر على الاقتصاد العالمى أكثر من أسعار الفائدة لليلة واحدة التى تحددها البنوك المركزية.
ويعد المنطق وراء هذا السيناريو واضحا، وهو أن خطط ترامب للضريبة والإنفاق ستعكس سياسات دعم الموازنة، التى دفع بها الكونجرس أثناء حكومة باراك أوباما، وسوف يرتفع اقتراض الأسر بشكل كبير، حال أوفى ترامب بتعهده بإلغاء التنظيمات المصرفية التى فرضت بعد أزمة 2008.
وبالنظر إلى أن هذه المحفزات الإضافية ستغذى اقتصادا يقترب بالفعل من العمالة الكاملة، فسيرتفع معدل التضخم حتما، فى الوقت الذى سترفع فيه التعريفات التجارية الحمائية «وضريبة الحدود» المحتملة أسعار السلع المستوردة.
وكيفية استجابة السياسة النقدية لهذا التضخم الناتج عن سياسات ترامب، هو الأمر الغامض الوحيد. فإذا حاول «الفيدرالى» مواجهة تلك السياسات برفع أسعار الفائدة بوتيرة أكثر عنفا من التوقعات، أو حتى قرر التحرك بطريقة أكثر حذرا من خلال جعل أسعار الفائدة قصيرة الأجل أقل من النمو المتصاعد للأسعار، فسيعانى المستثمرون فى السندات.
ونتيجة لذلك، ستقفز العائدات على السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات من 2.5% إلى 3.5% أو أكثر خلال العام الحالى، وتواصل الارتفاع بعده.
وعلى النقيض، فى أوروبا واليابان، ستظل السياسة النقدية ميسرة، نتيجة استمرار البنوك المركزية فى دعم النمو الاقتصادى بأسعار الفائدة الصفرية وبرامج التيسير الكمي، وهذا التباين فى السياسات ينقلنا إلى الصدمة المحتملة الثانية التى يبدو أن الأسواق غير مستعدة لها.
وقد ترتفع قيمة الدولار أكثر، خصوصا أمام عملات الأسواق الناشئة، رغم تأكيد ترامب، رغبته فى زيادة الصادرات. ولن تكون أسعار الفائدة الأمريكية الأعلى السبب الوحيد وراء ارتفاع قيمة العملة، وإنما أيضا أزمة دولار فى الأسواق الناشئة حيث ارتفعت الديون الأجنبية بمقدار 3 تريليونات دولار منذ 2010.
وتسبب التقاء قوة الدولار بمعدلات الاقتراض الأجنبى المفرطة فى أزمات الديون بأمريكا اللاتينية وآسيا فى 1980 و1990. ولكن هذه المرة، قد تجعل السياسات الحمائية لترامب، الأمور أسوأ، خصوصا بالنسبة لدول منها المكسيك وتركيا، اللتان اعتمدتا فى استراتيجيات نموهما على التوسيع السريع للصادرات، ومولتا النشاط التجارى المحلى بديون مقومة بالدولار.
هذا بالنسبة للأنباء السيئة، ولحسن الحظ، فإن التطور الرئيسى الثالث الذى لم تتوقعه الأسواق المالية قد يكون محببا للظروف الاقتصادية العالمية وهو أن أداء الاتحاد الأوروبى قد يكون أفضل بكثير من المتوقع فى 2017.
وبدأت المؤشرات الاقتصادية بالتحسن سريعا فى دول الاتحاد الأوروبى منذ بداية 2015 عندما توقف البنك المركزى الأوروبى عن تقسيم منطقة اليورو، من خلال إطلاق برنامج شراء سندات أكبر بكثير من برنامج التيسير الكمى الذى طبقه الفيدرالى.
ولكن شوش على هذا التعافى الاقتصادى، المخاوف التى ظهرت العام الماضى حول التفكك السياسى، مع مواجهة كل من هولندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا حركات شعبوية صاعدة.
ولكن هذه التوقعات قد تخلق احتمالية المفاجأة الكبرى فى 2017، وهى بدلا من التفكك، استقرار الاتحاد الأوروبى مما سيسهل التعافى الاقتصادى ويمهد لفترة من الأداء المالى القوى مشابهة لـ«فترة الاعتدال» فى الولايات المتحدة، ما بين عام 2010 و2014 حيث تعافى الاقتصاد بطريقة ليست سريعة ولا بطيئة.
وبالطبع.. التهديد الوحيد الذى يواجه هذا السيناريو الحميد، هو فوز مارين لوبان (اليمينية المتطرفة) فى فرنسا. وفى هذه الحالة، سيصبح تفكك الاتحاد الأوروبى احتمالا واقعيا، بما سيخلق فزعا فى الأسواق المالية والاقتصادات الأوروبية.
ويُظهر كل استطلاع رأى وتحليل جدى للسياسة الفرنسية، أن فوز لوبان خيال مستحيل. ولكن أليس هذا ما أظهره كل استطلاع رأى وتحليل جدى للسياسة الأمريكية العام الماضى بشأن الرئيس ترامب؟
المصدر: بروجكت سينديكيت.