الشركات تشبه فى بعض الأحيان الأشخاص فى تصرفاتها.. تكذب، وتتجمل، وتتحايل، وتنافق، وتدلس، وغيرها من التصرفات التى فى مجملها تشكل صورة ذهنية تتفاوت من كيان أعمال محترم إلى كائن مؤسسى بغيض.
كما أنها تصاب بأمراض ينقلها إليها مجلس إدارة متلاعب أو ضعيف، يعاونه رئيس تنفيذى وفريق من كبار التنفيذيين يعملون لتحقيق مصالحهم دون اعتبار لمصالح المساهمين أصحاب رأسمال الشركة.
لذلك تؤسس حوكمة الشركات أطراً لتنظيم العلاقة بين مجلس الإدارة من ناحية، وبين ملاك الشركة والأطراف الأخرى المتعاملة معها من ناحية أخرى، بهدف تحقيق أفضل حماية وتوازن بين مصالح كل تلك الأطراف.
ومن الأمور المهمة فى قواعد الحوكمة هو الإفصاح والشفافية بشكل دقيق وفى الوقت المناسب. والإفصاح هو الكشف عن المعلومات الجوهرية (المالية وغير المالية) التى تهم المساهمين والمستثمرين المحتملين وأصحاب العلاقة والمصالح، ويتم الإفصاح دورياً فى فترات مالية محددة أو بشكل فورى عندما حدوث أمر ما جوهرى، وذلك حتى تكون المعلومات متوافرة فى نفس الوقت لجميع الأطراف المعنية، وحتى لا يقوم طرف باستغلال المعلومات قبل الأطراف الأخرى.
يقع على مجلس الإدارة مسئولية وضع آليات العرض والإفصاح الدقيق والشفاف، ويوضح القانون والتعليمات الرقابية جوانب ومجالات وخصائص الإفصاح سواء فيما يتصل بالموضوعات أو العناصر التى يتعين الإفصاح عنها. ولكن فى التطبيق العملى لعملية الإفصاح لا يتم الالتزام بقواعد الإفصاح بالقدر الكافى الذى يحقق الغرض من الإفصاح، وهو بصورة رئيسية دعم مناخ صحى فى سوق المال يتيح عرض صورة عادلة وشفافة عن الشركات المساهمة المدرجة فى سوق المال لجميع أصحاب المصالح بمن فيهم المساهمون.
ومن الأمثلة السيئة فى الإفصاح عدم الإفصاح بشفافية عن مكافآت أعضاء مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين. فى كثير من الأحيان، تقوم بعض الشركات بعدم إدراج بعض المميزات والبدلات التى يحصل عليها العضو سواء من الشركة نفسها أو الشركات التابعة والزميلة، أو تدرج المكافآت والمزايا كمبلغ إجمالى دون تفصيل لعناصر المكافآت وطبيعتها واستحقاقها.
فالأصل أن تقوم لجنة المكافآت والترشيحات المنبثقة من مجلس الإدارة باعتماد تقرير المكافآت الذى يتم إعداده سنوياً للعرض على الجمعية العامة للمساهمين.
يوضح التقرير بشكل تفصيلى جميع المكافآت الممنوحة لأعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، سواء كانت مبالغ أو منافع أو مزايا، أياً كانت طبيعتها ومسماها، بحيث يتم الإفصاح عن جميع المكافآت الممنوحة سواء كانت فى صورة مباشرة أو غير مباشرة، وتحليل لشرائح المكافآت وتجنب أى محاولة للإخفاء أو التضليل. ومن الأمثلة السيئة الأخرى عدم الإفصاح عن أى تغيير فى أعضاء الإدارة العليا والتنفيذية.
قد يكون وراء التغيير التورط فى حالة احتيال أو التسبب فى خسائر للشركة، أو أى سبب جوهرى أخر.
للأسف أعلم جيداً حالات احتيال تم التغاضى عن اتخاذ إجراءات قانونية بشأنها، والاكتفاء بإنهاء خدمة المسئول بحجة الحفاظ على سمعة الشركة! أليس من حق المساهم أن يعلم ما إذا كانت الشركة لديها القدر الملائم من ضوابط الرقابة الداخلية، وأن الشركة تدار بكفاءة تشغيلية جيدة؟
على الرغم من الشركات المساهمة المدرجة يجب أن تفصح عن العوامل التى تؤثر على بيئتها الإنتاجية أو نشاطها، ويكون من شأنه تدهور ملحوظ فى الإيرادات، إلا أنى فى الواقع العملى لم أشاهد شركة لديها الجرأة على كشف أوضاعها التشغيلية.
هل لأن الشركات تخشى تأثير الإفصاح على سعر السهم، أم تخشى مواجهة المساهمين فى اجتماع الجمعية العامة، أم تخشى تناول الإعلام لأخبار الشركة؟
الإفصاح بالنسبة للشركات المساهمة العامة المدرجة فى البورصة ليس منحة من إدارة الشركة، ولكنه حق أصيل من حقوق المساهمين وأصحاب المصالح، فضلاً عن أنه مطلب رقابي.
لذلك يجب أن تلتزم الشركات المدرجة ليس فقط بالإفصاح عن الأخبار الجوهرية فى الوقت المناسب وبشفافية كاملة، بل يجب عليها فى كل الأحوال أن يكون الإفصاح مقترناً بتقديم تقييم عن الأثر المتوقع لمثل هذه المعلومات الجوهرية على الوضع المالى للشركة.