
شهدت البنوك حول العالم اهتماماً كبيراً بالحوكمة المصرفية أخذت فى الانتشار لاسيما بعد الأزمة المالية التى عصفت ببنوك كبرى فى عام 2008.
بدأت الأزمة المالية العالمية فى سبتمبر 2008، والتى اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير عام 1929، حيث نشأت أولاً فى الولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التى ترتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكى.
ويقدر عدد البنوك التى انهارت فى الولايات المتحدة خلال العام 2008 بنحو 199 بنكاً، حينذاك كان السؤال الأكثر إلحاحاً هو كيف تستطيع البنوك حماية نفسها من حالات فشل مشابهة فى المستقبل؟ وأصبح هذا السؤال مثار اهتمام البنوك المركزية، وخبراء البنوك، والإعلام الاقتصادى.
ومن ثم برزت الحاجة إلى شفافية أفضل كأحد الحلول المهمة لتقليص فرص تكرار أزمة الائتمان الشهيرة، خاصةً فيما يتعلق بالمكافآت فى قطاع البنوك، والكيفية التى تتمكن عن طريقها مجالس إدارات البنوك من تحسين ممارسات الحوكمة الرشيدة التى تتبعها.
منذ ذلك الوقت بدأت البنوك المركزية حول العالم فى إصدار تعليمات لتطبيق قواعد الحوكمة فى البنوك وأصبحت على البنوك ومجالس إداراتها أن تولى اهتماماً كبيراً بالالتزام بتطبيق الحوكمة والإفصاح عن مدى التزامها بقواعد الحوكمة للمساهمين.
وعلى الرغم من أن هناك العديد من النصائح والتوصيات المتعلقة بالحوكمة الرشيدة، فهناك أمور محوريةً على طريق إرساء نظام حوكمة رصين أرصدها فى ما يلى:
1. ضبط الأمور فى القمة
ينبغى أن تشتمل المسؤوليات الرئيسية لمجلس الإدارة على توجيه الأهداف الاستراتيجية للبنك وقيمه وسياساته، فضلاً عن إقرارها ومراقبة تنفيذها، لذلك يسعى مجلس الادارة إلى تحقيق أهداف البنك الاستراتيجية من خلال التأكد من أن الإدارة التنفيذية تقوم بالمهام المنوطة بها على أكمل وجه وأنها تحقق
معدلات نمو مرتفعة وتعمل على ما يساهم فى تعظيم الأرباح، وأن قرارات وإجراءات الإدارة التنفيذية تصب دائماً فى مصلحة المساهمين.
2. التأكد من تمتع أعضاء مجلس الإدارة بالمؤهلات المناسبة
ينبغى أن يضم المجلس المعارف والخبرات المناسبة لكل نشاط من الأنشطة المالية التى ينتوى البنك العمل فيها، لذلك يراعى عند تشكيل مجلس الإدارة التنوع فى الخبرة العلمية والمهنية والمهارات المتخصصة، وأن يكون الأعضاء على معرفة بالقوانين والأنظمة ذات العلاقة وبحقوق وواجبات مجلس الإدارة، فضلاً عن توافر الفهم والدراية الكاملة لأنشطة البنك، وكافة المخاطر التى قد يتعرض لها مركزه المالى.
3. توسيع نطاق اختصاصات لجنة المكافآت
ينبغى أن يتسع نطاق اختصاصات لجنة المكافآت ليغطى كل جوانب سياسة المكافآت على مستوى البنك بأسره، مع التركيز بوجه خاص على جانب المخاطر، ويقع ضمن مسئولية لجنة مجلس الإدارة للمكافآت مراجعة فلسفة المكافآت وبرامج المكافآت لأعضاء المجلس والادارة التنفيذية.
ومن أجل تقليص ما يُلاحظ من قبول مفرط للمخاطر فى البنوك، تقوم لجنة المكافآت بمراجعة الربط بين أهداف الأداء والمكافآت. كذلك ينبغى أن يتم دفع ما لا يقل عن نصف المكافآت على شكل برامج حوافز طويلة الأجل.
4. تحسين الفاعلية من خلال تقييم مجلس الإدارة
يجب أن يقوم البنك بوضع نظم وآليات لتقييم أداء كل عضو من أعضاء مجلس الإدارة بشكل دوري، وذلك من خلال وضع مجموعة من مؤشرات قياس الأداء ترتبط بمدى تحقيق الأهداف الاستراتيجية للبنك وجودة إدارة المخاطر وكفاية أنظمة الرقابة الداخلية.
5. إدارة تضارب المصالح على نحو فعال
يتعين على مجلس الإدارة أن يكون لديه سياسة بشأن تعارض المصالح بحيث تشتمل هذه السياسة على أمثلة واضحة لحالات تعارض المصالح وكيفية معالجتها والتعامل معها.
6. تتبع مواطن الفشل المحتملة فى الحوكمة
ينبغى أن تكون لدى البنك سياسة توضح الإجراءات المناسبة التى يستطيع الموظف اتباعها إذا ما ساوره قلق من استقامة عمليات البنك أو موظفيه (ما يسمى بسياسة الإبلاغ عن المخالفات)، فينبغى أن تتوفر للموظف إمكانية الإبلاغ عن شكوكه مع توفير حماية له من أى رد فعل انتقامى من الإدارة، ويجب أن توفر تلك السياسة تدفقًا سلسًا للاتصال السرى المباشر أو غير المباشر مع المجلس (أو لجنة المراجعة) خارج نطاق «التسلسل القيادى» الداخلى، فمن شأن إيجاد قنوات تواصل مناسبة أن يتيح للعاملين بالبنك إمكانية مناقشة ما يتشككون فيه، فى إطار من السرية، ودون خشية رد الفعل الانتقامى.
لقد أصبحت الحوكمة الرشيدة فى الآونة الأخيرة تمثل أهمية حاسمة للبنوك فى ظل تعقد البيئة المصرفية وديناميكيتها من أجل ضمان الاستدامة على المدى الطويل، والحفاظ على ثقة الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة، بمن فيهم الجهات الرقابية، والمستثمرين، والعملاء، والموظفين، لذلك ينبغى تشجيع الحوكمة الرشيدة وممارستها بشكل منتظم داخل البنوك على مستويى مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية على حد سواء، ويجب ألا ننسى أن الحوكمة الرشيدة مثل العضلة فى جسم الإنسان، إن لم تُستخدم ستضمر.