خلال الأسابيع الماضية، عاد مستقبل استراتيجية صناعة السيارات المصرية او بمعنى أدق «قانون السيارات» إلى واجهة الأحداث، بعد الفاجعة التى حلت بهذا المشروع أثناء زيارة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل إلى مصر، والتى أعلنت عدم رضاها عن مشروع القانون.
وصاحب الاعتراض الألماني، خطاب من اتحاد المصنعين بالاتحاد الأوروبي، أعلن فيه رفضه للمشروع، وطالب بتغيير صياغة 6 بنود هى موضع الخلاف.
ورغم تأكيدات اتحاد الصناعات والبرلمان بإعادة النظر، فى جميع بنود الاستراتيجية، إلا أن ما يحدث الآن على ارض الواقع شىء مؤسف للغاية.
اجتماعات سرية.. تكتلات.. جبهات متعارضة.. وصراع فرض الرأي، وللأسف الكل يعلن صراحة «مصلحتى أولا.. ولا يهم من ينجو من الفخ».
ورغم الكفاءات التى تزخر بها مصر وحساسية الظروف الاقتصادية التى تمر بها، إلا أن الجميع يبحث عن مصلحته فقط.
ياسادة، لا بد من التخلى عن المصلحة الشخصية الضيقة فى هذا التوقيت الصعب الذى يمر به اقتصادنا، وحالة بلادنا التى تحتاج للتكاتف وتوحيد الكلمة. فمنذ أكثر من 5 سنوات ونحن نتحدث عن استراتيجية صناعة السيارات ولم نتخذ خطوة ايجابية واحدة.
وللأسف الشديد.. ظهرت بقوة خلال الفترة الماضية 3 تحالفات، واحدة تطالب بسرعة اصدار الاستراتيجية أيا كانت بنودها على أن يتم تعديلها لاحقا، وأن يصدر القانون ليكون ملزما للجميع، وتحالف آخر يطالب بوقف هذا العبث وعودة النظر فى الأمر من جديد.. أما الثالث فهو تحالف المصالح.
هل يعقل ان يحدث هذا فى مصر التى تعد من أكبر أسواق المنطقة ومحط أنظار الشركات الأجنبية، التى تحاول جاهدة زيادة حجم استثماراتها فى مصر؟ فإلى متى سيظل هذا المناخ من عدم الثقة والتمسك بالآراء ولو على حساب مصلحة الوطن؟
خلال الدورة الثالثة لمؤتمر «ايجبت اوتوموتيف»، وجهت الدعوة لعدة شركات عالمية، ولم اكن انتظر حضور احد.
لكن ما حدث هو حضور هذه الشركات، وأبرزها مجموعة «فولكس فاجن»، ومجموعة «بيجو ستروين»، وشركة «فورد» وغيرها من الشركات التى حاولت أن تتفهم طبيعه السوق لزيادة حجم استثماراتها فى مصر، فضلا عما يقومون به من تحالفات مع شركات توريد لمستلزمات الإنتاج بغرض الاستيراد من مصر.
وبالفعل دخل عدد من الشركات العالمية، مفاوضات مبدئية مع عدد من الشركات المحترمة فى مصر ولديها سابقة أعمال متميزة تقوم بإنتاج اجزاء من السيارات بغرض التصدير.
لكن.. ماذا حدث على ارض الواقع بعد مرور 4 اشهر من الزيارة؟
للأسف حالة من الإحباط الشديد اصابت هذه الشركات، التى لا تزال فى انتظار الإطار القانونى للاستثمار فى مصر والحوافز التى ستحصل عليها. وبالطبع ممثلوها من الشركات المصرية لا علم لهم بما سينتهى إليه هذا القانون، وفى النهاية زيادة الانطباع السلبى للشركات العالمية عن السوق المصري.
بمعنى ادق.. نحن وبكل سهولة نرفض الاستثمار الأجنبى، فى ظل حاجتنا الشديدة لزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، كأحد أهم مصادر العملة الأجنبية والتشغيل، وذلك فقط لعدم قدرتنا على اتخاذ قرار موحد دون النظر الى المصالح الشخصية.
نحن لا نخترع العجلة، فالعديد من الدول حولنا وضعت اطارا قانونيا وحوافز للاستثمار فى قطاعات السيارات بها، فى ظل منافسة شرسة على استقطاب الاستثمارات الضخمة التى تضخها الشركات العالمية فى صناعة السيارات، وأدى بنا التأخر فى مواكبة الركب العالمى إلى أن نتذيل قائمة الدول فى صناعة وتجارة السيارات.
لا بد من توحيد الصف.. لا بد من التدخل الحكومى الجاد للوقوف ضد هذه المهزلة ووضع خريطة واضحة لسوق السيارات المحلي، اذا كنا نريد بالفعل زيادة الانتاجية والتصدير.