محمد العريان يكتب/ ما يستطيع ماكرون تقديمه للأسواق الحرة


بقلم/ محمد العريان
بمجرد ظهور انتعاش أولى فى الأسواق، بعدما رفض الناخبون الفرنسيون مرشحة اليمين المتطرف ماريان لوبان من الجبهة الوطنية، رغم الموجة غير المسبوقة المناهضة للقيادة فى أوروبا وأمريكا، سيتحول التركيز إلى كيف سيتمكن القادم الجديد نسبيا، إمانويل ماكرون، من إدارة دولة معتادة على السياسات المعتدلة.
ولا يقتصر الأمر فقط، عند قدرته على إعادة إنعاش الاقتصاد الفرنسى، وعلى التعامل مع ألمانيا، وإنما إيضا قيادته لتحديث أوروبا.
كما يتعلق الأمر بقضية لاحقة أكبر بكثير وهى إلى أى مدى ستفتح الاضطرابات السياسية الداخلية، الباب امام حوكمة اقتصادية أفضل فى الغرب بدلا من إعداد المسرح لصدمة سياسية أكبر؟
وتؤكد النتائج الأولية من فرنسا ما تتوقعه الأسواق، وهو خسارة حاسمة للوبان، وبعد أن اصبحت توقعات السوق واقعا، ستتعزز على الأرجح شهية المستثمرين للأصول الخطرة فى المدى القصير.
ومع ذلك، قد يتقوض الارتفاع الناتج لأسعار الأسهم، وصعود قيمة اليورو، وانخفاض الفرق فى العائد بين سندات الحكومة الفرنسية والألمانية، بسبب تأجيل البنك المركزى الأوروبى والبنك المركزى السويسرى خطط الطوارئ لديهم.
كما يستعد البنك المركزى الأوروبى لتقليل الضغط على دواسة وقود السياسة النقدية.
وبخلاف ردود الأفعال الفورية، سيعتمد كثيرون على تداعيات الهزة التى شهدتها القيادة والتى تعبر عن عدم رضا كبير بين المواطنين الأصغر سنا. وينبغى ألا ننسى ان نصف هؤلاء الشباب صوتوا فى الجولة الأولى لمرشحين على طرفى النقيض وهما ماريان لو بان من اليمين المتطرف، وجان لوك ميلينشون من أقصى اليسار.
ولم تتمكن لوبان من تحويل جولتها الأولى نسبيا إلى دعم كافٍ من جميع أرجاء الدولة فى الجولة الثانية، وبدلا من ذلك، خسرت أمام خليط من دعم حقيقى لماكرون، وتجمع الناخبين المصريين على أن فرنسا لا ينبغى أن يقودها شخص من الجبهة الوطنية.
وهذا يسلط الضوء على التحديات التى يواجهها ماكرون، نظرا لأنه ورث دولة منقسمة، وصحيحٌ انها قاومت السياسات المتطرفة ولكنها لا تزال غير راضية بشدة عن نظام تعثر خلال سنوات طويلة من النمو المنخفض، والبطالة المرتفعة بين الشباب، وعدم مساواة فاضحة.
والآن وبعد فوز ماكرون، سيتحول التركيز فى الأسواق نحو قدرته على تخطى الجمود السياسى فى فرنسا وفى أوروبا.
وقبيل الانتخابات البرلمانية فى يونيو، سيشير اختياره لرئيس الوزراء، إلى كيفية «تعايشه» فى الوقت الذى يحاول فيه إنعاش فرنسا فى إطار ما يأمله من ان تكون أوروبا أكثر قوة وأكثر تركيزا على النمو.
وينبغى على ماكرون أن يتعاون ويشكل جمعية وطنية من الأحزاب الوسطية العريقة التى منيت بهزيمة نكراء فى الانتخابات.
وهذا التحدى يواجهه أيضا اثنان من قادة دول اخرى من مجموعة السبعة الذين وصلا إلى أعلى منصبين فى دولتيهما على خلفية الموجة المناهضة للقيادة، وهما الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني، تيريزا ماي. ويتفق القادة الثلاثة على أن الاقتصاد يمكن – بل ينبغى – أن يستفيد من أسعار الضرائب المنخفضة للشركات وتقليص عدد العاملين فى الحكومة.
كما يتفقوا على ان الاتجاهات الإقليمية والعولمة، بالإضافة إلى بروز الهوية الوطنية، ينبغى ان تتلقى اهتماما أكبر بالخاسرين الحقيقيين فى الاقتصاد، حتى وإن كانوا يشكلون أقلية مقارنة بالمستفيدين.
وبشكل عام، يشير فوز القادة الثلاثة إلى خلل داخلى تاريخى لأداء السياسات التقليدية فى العالم المتقدم، وهذا يعود فى جزء كبير منه إلى تآكل الثقة والمصداقية وفاعلية القيادة، وليس فقط القطاع العام.
ولا يزال من الصعب الحكم على ما إذا كان القادة الثلاثة سيتمكنون من قيادة البرلمانات التى تهيمن عليها الأحزاب الوسطية لإطلاق سراح الإنتاجية والنمو الاقتصادي، وخلق اقتصادات تقوم على السوق واكثر شمولية، وسيعتمد الكثير على رد فعل القوى القيادية التى لا تزال تحت سيطرة القطاعين العام والخاص بشكل كبير.
وبدلا من النظر إلى فوز ماكرون كصفعة حاسمة للموجة المناهضة للقيادة، ينبغى اعتباره استراحة قبل رحلة طويلة وجهتها لا تزال غير معلومة.
وإذا ساعدت الاختلالات السياسية الداخلية، فرنسا والدول الغربية على تحقيق نموا أعلى وأكثر شمولية، فسيعد ذلك بمثابة إعادة إحياء للديمقراطيات الليبرالية بطريقة داعمة للأسواق.
وإذا فشلت، فستكون المسألة مسألة وقت قبل أن تجد فرنسا نفسها تتعامل مع مزيد من الدعم للجبهة الوطنية، والقوى الداخلية المناهضة للقيادة، وتاييد اكبر لفكرة أن منطقة اليورو هى أمر من الماضى وليس المستقبل، وهى نتيجة ستسبب زعزعة لاستقرار الأسواق.
إعداد: رحمة عبدالعزيز

المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج».

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

مواضيع: فرنسا

منطقة إعلانية

نرشح لك


https://alborsanews.com/2017/05/15/1021918