الفشل فى إقناع الأمريكيين بتقليص الإنتاج سيشعل معركة تهدد الأسواق
لا شك أن المملكة العربية السعودية وروسيا، على خلاف فى كل شىء بداية من الحرب فى سوريا، والسياسات بشأن إيران، والعلاقات مع واشنطن.
لكن عندما يتعلق الأمر بدعم أسعار البترول العالمية، فإنهما تتخليان عن السياسات الانحيازية، وتكونان أكثر توافقاً.
وقال وكالة أنباء «بلومبرج»، إنه ينبغى إلقاء نظرة على كيفية توافق اثنتين من أكبر منتجى البترول فى العالم الشهر الحالى، للحفاظ على قيود الإنتاج لمدة تسعة أشهر إضافية.
ووصف إيجور يوسوفوف، الذى شغل منصب وزير الطاقة الروسى فى الفترة ما بين 2001 و،2004 وهى المرة الأخيرة التى تعاونت فيها موسكو والرياض بشأن سياسة الطاقة، الملف، بأنها مسألة دولتين تعتمدان اعتماداً كبيراً على أسعار البترول.
وأوضحت الوكالة، أن توافق الدولتين بشأن سياسات البترول، ضرورة ملحة مشتركة لتحقيق الاستقرار فى أسعار السلعة التى تعتمد عليها اقتصاداتهما وشرعيتهما السياسية.
فمن خلال هذه العملية، تقوم روسيا والسعودية بتحويل ميزان القوى الذى يدفع سوق الطاقة العالمية بعد سنوات من التراجع.
وأضافت الوكالة، أن تحالف الدولتين القوى بما فيه الكفاية، ضرورة للبقاء على قيد الحياة، وسيكشف سريعاً مدى فعالية التمديد المتوقع لاتفاق خفض الإنتاج حتى مارس 2018 فى دعم الأسعار.
وتملك السعودية وروسيا حوافز محلية مقنعة لإنجاح الأمور بينهما، إذ يحرص الرئيس فلاديمير بوتين على تحفيز الاقتصاد الروسى، بعد أن خرج من الركود الذى دام عامين، قبل أن يسعى لإعادة انتخابه فى مارس 2018.
وعلى الجانب الآخر، يجرى الأمير محمد بن سلمان، حملة إصلاح اقتصادية لم يسبق له مثيل، ويحتاج إلى أن يكون سعر البترول أكثر ثباتاً لأجل تعزيز تقييم شركة «أرامكو» السعودية قبل طرح أسهمها بداية العام المقبل.
وارتفع خام برنت من حوالى 46 دولاراً إلى 53 دولاراً للبرميل منذ الاتفاق على تجميد الإنتاج فى الأسابيع الأخيرة من العام الماضى، لكنه انخفض بنسبة 8% من الذروة التى وصل إليها فور توقيع الاتفاق. ويرجع ذلك فى الغالب إلى أن الوفرة العالمية لم تتقلص بشكل ملحوظ.
وظهرت بالفعل احتكاكات بين البلدين.
ففى الوقت الذى سارعت فيه السعودية إلى خفض 600 ألف برميل يومياً، متجاوزة تعهدها مع المنتجين، زاد صبرها على روسيا بعد أن استغرقت موسكو حوالى أربعة أشهر قبل أن تتعهد بخفض نصف هذه القيمة.
وكشفت الوكالة، أن آخر مرة قام فيها السعوديون والروس بتنسيق السياسة النفطية كان عام 2004، قبل أن يهز قطاع البترول الصخرى فى الولايات المتحدة توازن القوى فى سوق البترول العالمى، ويجبر المصدرين فى جميع أنحاء العالم على التدافع من أجل التأقلم.
ومنذ أن بدأ انهيار أسعار البترول منتصف عام 2014، واجه المنتجون عجزاً فى الموازنات، أجبرت معظمهم على تعزيز إنتاج البترول واقتراض الأموال.
وقال الرئيس السابق لشركة «بى بى» البريطانية، جون براون، إن المحرك الأول للتوافق كان بهدف دفع عائدات البترول. لكن هناك دافع آخر يتمثل فى الاستفادة من القوة الجيوسياسية للطاقة.
وقال المسئولون التنفيذيون والمحللون ومسئولو الطاقة فى صناعة البترول الذين يرصدون تحركات كلا البلدين: «هناك دوافع سياسية محسوبة لإنهاء التنافس على البترول المستمر منذ سنوات».
وترى الرياض على وجه الخصوص، أن سياسة البترول تعد أداة للتأثير على الدبلوماسية الروسية فى الشرق الأوسط، إذ يدعم السعوديون والروس الجوانب المتعارضة فى الحروب الدائرة فى سوريا واليمن.
وفى الوقت نفسه، تسعى موسكو لأخذ دور فى الشرق الأوسط الذى يشهد، حالياً، بعض الاضطرابات المتعددة للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، وغالباً ما تتصادم مع الولايات المتحدة.
وقالت الوكالة، إن التحول فى العلاقات بين السعودية وروسيا يأتى بعد عقد من العداء على سياسة الطاقة، بعد رفض موسكو بشكل خاص العمل مع الرياض لتحقيق الاستقرار فى الأسعار عام 2008.
وفى اجتماع عقد فى فيينا نوفمبر 2014، اشتبك وزير البترول السعودى السابق على النعيمى، مع إيجور سيشين، الحليف لبوتين الذى يدير شركة «روسنيفت» التى تسيطر عليها الدولة، حول كيفية إدارة إنتاج البترول.
ويضم التحالف الأخير، وجوهاً جديدة على رأسها وزير الطاقة الروسى ألكسندر نوفاك، ونظيره خالد الفالح، حيث كان الاثنان عاملين أساسيين فى الحصول على موافقة حوالى 12 بلداً لخفض الإنتاج.
ولكن العلاقة يمكن أن تنهار قريباً، إذ قالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، إن إنتاج البترول الصخرى يزداد بسرعة، وتوقعت أن يتجاوز إنتاج البترول الخام نحو 10 ملايين برميل يومياً العام المقبل. وهذه القيمة أكثر مما تضخه السعودية فى الوقت الراهن.
وخلال الأيام الأخيرة دعا سيشين، الحكومة الروسية إلى وضع خطة للخروج المنظم من فترة التخفيضات، وتعهد بأن تكون الدولة مستعدة لمعركة تنافسية شرسة.
وقال الوزير الروسى السابق يوسوفوف، إن الفشل فى إقناع المنتجين الأمريكيين بالحد من المعروض إلى جانب السعوديين والروس، سيشعل معركة الحصول على الحصة السوقية، الأمر الذى يمكن أن يدمر الأسواق