
اختراق الحسابات الأجنبية السرية دور مخابراتى لبنك الاحتياطى الفيدرالى
لجنة لمراقبة الحسابات الأجنبية تشرف على 500 ألف قضيب ذهب
تعاون واسع النطاق مع بنك العراق لتتبع تعاملات إيران وداعش
الربيع العربى يضع اليمن وليبيا ضمن أولويات تدقيق الأصول الأجنبية
كشف تقرير لوكالة الأنباء العالمية (رويترز) عن دور غير معروف يقوم به بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى (البنك المركزى) لصالح المخابرات الأمريكية الـ«سى أى إيه».
وأشار التقرير إلى أن دور بنك الاحتياطى الفيدرالى غير المعروف الذى يضم أصول البنوك المركزية الأخرى يأتى بفائدة فريدة للولايات المتحدة، حيث يوفر مصدراً للمعلومات المخابراتية الخارجية.
وكشف التقرير، أن كبار المسئولين من الخزانة الأمريكية وغيرها من الدوائر الحكومية قاموا بالدخول إلى حسابات سرية أخرى عدة مرات سنوياً لتحليل أصول البنوك المركزية فى روسيا والصين والعراق وتركيا واليمن وليبيا وغيرها، وفقاً لأكثر من عشر شخصيات من كبار المسئولين الحاليين والسابقين فى مجلس الاحتياطى الفيدرالى ووزارة الخزانة الأمريكيين.
ويحتفظ البنك المركزى الأمريكى بإطار سرى محكم للمعلومات الواردة فى هذه الحسابات، ولكن وفقا للمسئولين الذين قابلتهم وكالة الأنباء «رويترز»، فإن السلطات الأمريكية تستخدم بانتظام قاعدة «الحاجة إلى معرفة»، وهى استثناء لشروط السرية فى عقود الخدمة الفيدرالية الموقعة مع البنوك المركزية الأجنبية.
وقال هؤلاء المسئولون، إن هذا الاستثناء سمح لمسئولى الخزانة والدولة ومجلس الاحتياطى الفيدرالى بالحصول بشكل منتظم على معلومات عن حركة الأموال من وإلى الحسابات. وقد ساعدت هذه المعلومات واشنطن على رصد العقوبات الاقتصادية، ومحاربة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، وكذلك الحصول على صورة أوفى عن البقع الساخنة فى السوق فى جميع أنحاء العالم.
ويحتفظ حوالى 250 من البنوك المركزية والحكومات الأجنبية بمبلغ 3.3 تريليون دولار من أصولها لدى بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك، أى نحو نصف احتياطى الدولار الرسمى فى العالم، وذلك باستخدام خدمة تم الإعلان عنها فى عرض شرائح عام 2015 على أنها «آمنة وسرية».
ويقدم بنك التسويات الدولى والبنوك المركزية الرئيسية الأخرى وبعض المصارف التجارية خدمات مماثلة، وعادة ما يكون لدى العملاء أكثر من حساب واحد، ولكن فقط بنك الاحتياطى الفيدرالى الذى يتيح الوصول المباشر إلى أسواق الديون الأمريكية والعملة الاحتياطية فى العالم (الدولار)، ما يجعل البنك المركزى الأمريكى أكبر مزود لخدمة ما يسمى أعمال الحراسة المصرفية.
وبشكل عام، حدد الأشخاص الذين قابلتهم «رويترز» سبع حالات فى السنوات الـ15 الماضية، والتى أعطت فيها الحسابات للسلطات الأمريكية رؤى فى تصرفات النظراء الأجانب أو تحركات السوق، ما أدى فى بعض الأحيان إلى استجابة أمريكية محددة بناءً على المعلومات السرية التى حصلت عليها واشنطن.
فى حالة حديثة نسبياً، ساعدت البيانات من هذه الحسابات الخارجية السلطات الأمريكية على تحديد الحالة المناسبة للتعامل مع موسكو فى مارس 2014، بعد غزو روسيا شبه جزيرة القرم؛ حيث اختارات الولايات المتحدة الرد بعقوبات اقتصادية.
وعندما هبطت الحيازات الأجنبية فى بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك حوالى 115 مليار دولار، أكد المسئولون الأمريكيون ما يمكن للآخرين فقط أن يشتبهوا به فوفقاً لمسئولين سابقين فى مجلس الاحتياطى الفيدرالى، قام البنك المركزى الروسى بسحب أمواله.
وفى الوقت الذى كان فيه رد «الكرملين» العلنى تحدياً، خلص مسئولو بنك الاحتياطى الفيدرالى ووزارة الخزانة إلى أن موسكو تخشى أن تجمد الولايات المتحدة أصول روسيا، رغم أن الحساب لم يدرج فى نطاق العقوبات الاقتصادية.
وقال المصدر نفسه، إنه بعد حوالى أسبوعين، أعاد البنك المركزى الروسى معظم الأموال إلى حسابه بنظيره الفيدرالى الأمريكي، بيد أن الحادث أدى إلى مراقبة المسئولين عن كثب لتأثيرات العقوبات على موسكو التى جعلتها تسحب احتياطياتها، لكن لم يكن من الواضح ما هو أثر هذه العقوبات فعلياً.
وقال بنك روسيا، إنه لن يعلق على «تفاصيل عملياته وتفاعله مع الشركاء كما لم ترد السفارة الروسية فى واشنطن على استعلام عبر البريد الإلكترونى طلبته الوكالة«.
واعترف مجلس الاحتياطى الفيدرالى بتطبيق قاعدة »الحاجة للمعرفة« للكشف عن معلومات مخابراتية، لكنه رفض التعليق على عملاء بعينهم.
وقالت متحدثة باسم بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك، إنه فى حين أن اتفاق فتح الحساب لديهم ينص على تبادل المعلومات مع الحكومة الأمريكية فى ظروف محدودة، فإن بعض الأحداث تجعلهم فى حاجة واضحة إلى معلومات مع الالتزام بأن المعلومات سوف تعامل بشكل سري.
وقد استخدم هذا الاستثناء فى مناسبات نادرة وعلى أساس محدود لقضايا؛ مثل الامتثال لمتطلبات العقوبات الدولية، ومبادئ مكافحة غسل الأموال.
ويأتى التدقيق فى عمل البنك المركزى الأمريكى الفيدرالى فى وقت يهدد فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتطبيق عقوبات اقتصادية جديدة على البلدان التى يمكن رصدها مرة أخرى من خلال الحسابات الأجنبية.
كما يأتى النظر بشكل أكثر عمقاً فى هذه الأنشطة المصرفية السرية فى الوقت الذى تخضع فيه المخابرات الأمريكية لتدقيق عام مكثف مع قيام الوكالات بالتحقيق فى التدخل الروسى فى انتخابات العام الماضى، والتواطؤ المحتمل مع حملة ترامب الانتخابية إبان السباق الرئاسى مع منافسته الخاسرة هيلارى كلينتون.
وقد أيد مجلس الشيوخ عقوبات جديدة على روسيا فى جزء منها لمعاقبتها على التدخل فى سير الانتخابات الرئاسية، فى حين أضافت الخزانة أفراداً وكيانات على صلة بممارسات روسيا فى أوكرانيا.
ووفقاً لمشروع اتفاق فتح حساب نشره بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك على الإنترنت العام الماضى، فإن الخزينة أو أى وكالة حكومية أمريكية أخرى أو بنك الاحتياطى الفيدرالى نفسه يجب أن يكون »بحاجة إلى معرفة مثل هذه المعلومات«؛ لكى يكون له الحق فى الوصول إليه.
وقال سبعة أشخاص لديهم معرفة مباشرة بالحالات التى استخدم فيها هذا الاستثناء لـ»رويترز«، إنه لا يوجد تعريف عملى لقاعدة »الحاجة إلى معرفة«، وأن المحامين فى بنك الاحتياطى الفيدرالى بنيويورك عادة ما يقررون كل حالة على حدة.
وفاجأ مستوى التدقيق من قبل السلطات الأمريكية وعدم الوضوح حول ما يمكن أن يشكل »حاجة إلى المعرفة« بعض البنوك المركزية الأجنبية السابقة التى تحدثت إلى رويترز.
وقال كريستيان نوير، الذى كان محافظاً لبنك باريس فى الفترة من عام 2003 إلى عام 2015، إن إدارته التى تحتفظ، أيضاً، بحسابات أجنبية تضمن »السرية التامة« لعملائها ما لم تكن لديها حاجة إلى معلومات سوى فى حالة وجود تحقيق جنائى. وفى مقابلة معه أضاف أنها ليست مجرد وجهة نظر يتم على أساسها معرفة ذلك.
وقالوا إن أقل ما يثير الدهشة هو أن الولايات المتحدة استغلت موقف بنك الاحتياطى الفيدرالى فى مركز التمويل العالمى لخدمة مصالحها الخاصة.
وقال باتريك هونوهان، محافظ البنك المركزى الأيرلندى، فى الفترة من 2009 إلى 2015، إن أنواع البنوك المركزية القوية التى يمكنها تقديم هذه الخدمات ستريد استخدام هذه السلطة بطرق تفيد مصالحها.
وقال أدوين ترومان، الذى ترأس قسم المالية الدولية لمجلس محافظى بنك الاحتياطى الفيدرالى منذ أكثر من عقدين قبل أن ينضم إلى وزارة الخزانة فى عام 1998، إن عملاء البنك الفيدرالى أنفسهم لا يتوقعون السرية المطلقة.
وقال »ترومان«، وهو زميل فى معهد بيترسون للاقتصاد الدولى فى مقابلة، إنه ليس هناك وعد للعملاء بأن المعلومات فى حساباتهم لن تتم مشاركتها مع الدوائر الرسمية فى الولايات المتحدة.
وقال متحدث باسم الخزانة، إن الإدارة تراقب المعاملات، وتجمع البيانات من جميع الشركات المالية بشكل روتينى، وفى سياق التحقيقات ولديها القدرة على طلب معلومات من البنوك خارج نطاق قاعدة »الحاجة إلى معرفة«، ورفض التعليق على التعاون مع بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك.
وشمل المسئولون الأمريكيون الذين قابلتهم »رويترز« المديرين التنفيذيين ورؤساء الأقسام، والأشخاص المشاركين مباشرة فى المناقشات التى استخدم فيها استثناء السرية لتحليل الحسابات التى لم يراقبها سوى مجموعة منتقاة من مسئولى مجلس الاحتياطى الفيدرالى، وقد تحدث معظمهم بشرط عدم ذكر اسمه.
وكشف التحقيق الاستقصائى، أنه يومياً يقوم فريق من دستة محللين بالبنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك بمراقبة هذه الحسابات، وقد تم تسليط الضوء على هذه الوحدة غير المعروفة، والمسماة البنك المركزى وخدمات الحسابات الدولية، فى العام الماضى عندما نقلت 81 مليون دولار من حساب البنك المركزى البنجلاديشى إلى أيدى القراصنة فى واحدة من أكبر العمليات السيبرانية فى التاريخ.
وتدير الوحدة معظم الديون فى الخزينة ووكالة الدين كما تشرف على أكثر من 500 ألف قضيب ذهب فى خزائن تحت الأرض منذ أن فتح بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك أول حساب لبريطانيا وفرنسا منذ قرن.
وتزايدت طلبات الحصول على المعلومات بعد صدور قانون باترويت الأمريكى لعام 2001، ومعظمها من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وقسم الخزانة لتفعيل العقوبات، واستهداف تمويل الإرهابيين، وغسل الأموال، والاتجار بالأسلحة والمخدرات.
ويمكن للإدارة، أيضاً، أن تطلب الحصول على معلومات سرية.
ومن بين الطلبات التى قدمت منذ ذلك الحين، تحقيقات حول الحسابات الخاصة بتركيا والعراق وروسيا وغيرها، للمساعدة على تحديد ما إذا كانت الأموال الرسمية تستخدم لتمويل المجموعات أو الأفراد الخاضعين للعقوبات وفقاً لما ذكرته ثلاثة من المصادر.
وهناك عدد قليل من البلدان التى تحظى باهتمام كبير بالحكومة الأمريكية لديها أموال قليلة أو معدومة فى بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك مثل إيران، التى تفرض عليها العقوبات، والمملكة العربية السعودية التى لا تتعرض لأى عقوبات حالياً.
وقال مسئول فى البنك المركزى التركى، إن العمليات تتم بشكل روتينى وفقاً لاتفاق مصرفى مع بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك، وهو إجراء تشغيلى وفقاً لمعيار البنوك المتعارف عليها.
ويبرز البنك المركزى العراقى بين البنوك التى تخضع للتدقيق الأمريكى بسبب مدى التعاون بين بغداد ونيويورك، وفى وقت سابق من هذا الشهر، استناداً إلى المعلومات والتعليمات الصادرة عن فريق الحسابات الخارجية فى البنك الاحتياطى الفيدرالى، قام البنك المركزى العراقى بإدراج شركة صرافة يتشتبه فى علاقتها بتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة فى القائمة السوداء، وكانت شركة الكوثر للصرافة، من مدينة القائم بالقرب من الحدود السورية، قد تجمدت أصولها فى هذا العمل.
وقال مسئول فى البنك المركزى العراقى لوكالة »رويترز«، إن المسئولين فى مجلس الاحتياطى الفيدرالى يعتمدون على الاجتماعات والمكالمات الجماعية لتقديم المشورة للبنك المركزى العراقى حول كيفية تتبع وتجميد الشركات المحلية المشتبه فى صلاتها الإرهابية أو مساعدة إيران على تجاوز العقوبات.
وأضاف أن لديهم اتصالاً مباشراً مع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية فى بنك الاحتياطى الفيدرالى.
وقال المسئول الذى رفض الكشف عن هويته، إن البنك المركزى العراقى قام بتجميد أموال الكوثر.
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية العقوبات المفروضة على الكوثر فى 15 يونيو الماضى، مستشهدة بـ2.5 مليون دولار فى التحويلات المالية التى يزعم أنها قدمت إلى شركة مرتبطة بالدولة الإسلامية. ولم يكن مالك شركة الصرافة متاحاً للتعليق.
فى بعض الأحيان تفيد نظرة خاطفة على حسابات بنك الاحتياطى الفيدرالى فى تقديم بيان للخزانة العامة حول اضطرابات السوق.
وفى ذروة الأزمة المالية العالمية فى عام 2008، طلب مسئولو الخزانة من بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك تحديد ما إذا كان أحد عملائها وراء تراجع الطلب على الديون قصيرة الأجل لعملاقى الرهن العقارى فانى ماى وفريدى ماك.
وأظهر تحليل الحسابات، أن البنك المركزى الصينى قد كبح عمليات الشراء، وأن المعلومات المخابراتية أخذت فى الاعتبار ضمن قرار الحكومة الأمريكية بالاستيلاء على الوكالتين فى 2 سبتمبر 2008. ورفض بنك الشعب الصينى التعليق.
وقال مسئولان سابقان فى مجلس الاحتياطى الفيدرالى فى بعض الحالات، إن فريق الاحتياطى الفيدرالى الذى يعالج الحسابات الأجنبية سينشط فى أى ظرف بشرط تطبيق قاعدة »الحاجة إلى المعرفة» إذا ما رصد شيئاً غير عادى.
ومنذ انتفاضات الربيع العربى 2010، على سبيل المثال، أجرى بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك عدة استفسارات مع وزارة الخارجية حول الأصول اليمنية والليبية، وفقاً لما ذكره أحد هؤلاء المسئولين.
وقال المسئول، إن فريق بنك الاحتياطى الفيدرالى، الذى يصنف الحسابات حسب مستويات المخاطر، سعى إلى توضيح ما إذا كانت الحكومات أو الجماعات المسلحة تسيطر على البنوك المركزية فى تلك الدول.
وقال مسئول فى وزارة الخارجية الأمريكية، إنه على اتصال مع نظرائه فى نظام الاحتياطى الفيدرالى لتبادل المعلومات حول التطورات السياسية والأمنية حتى يتمكنوا من تقييم وفهم أفضل للهيئات الحكومية الخارجية والمخاطر المالية.
ولم يرد ممثلو المصارف المركزية فى ليبيا واليمن، وكذلك سفارة اليمن فى واشنطن، على طلبات التعليق.