أصدرت المحكمة الإدارية العليا – وهى أعلى جهة قضائية فى مصر – حكماً فارقاً يقضى بأحقية العاطلين عن العمل فى الحصول على معاش شهرى كضمان اجتماعى، وجاء فى منطوق الحكم إلزام الدولة بإدراج البطالة ضمن معايير استحقاق الضمان الاجتماعى وتحديد قيمة هذا الاستحقاق بما يوفر الحياة الكريمة للمواطن المنصوص عليها فى الدستور. بلا شك أن هذا الحكم قد أثلج قلوب العاطلين عن العمل، وبالمثل اعتبره المتبطلين مكافأة على ترفعهم عن العمل فى انتظار «الوظيفة الميرى».
اسمحوا لى أولاً، أن أوضح أن البطالة تعنى عدم توافر فرص للعمل لأفراد فى المجتمع قادرين على العمل وطرقوا كل السبل للبحث عن العمل ولم تمنح لهم فرصة للعمل لأسبابٍ كثيرة، وفقاً لتعريف منظمة العمل الدولية، الفرد العاطل هو «كل من هو قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى».
فالشخص العاطل يجب أن يكون لديه القدرة على العمل والبحث عن عمل ولم يجد ذلك، تشمل البطالة أيضاً حديثى التخرج الذين لم يجدوا فرص عمل بسبب عدم توفر خبرة لديهم، وكذلك الذين تركوا أعمالهم السابقة لأى سبب من الأسباب ولم يجدوا عمل جديد.
وفقاً لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مايو الجارى، بلغ معدل البطالة %12 فى الربع الأول من هذا العام مقابل %12.7 فى العام الماضى، بينما بلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 3.503 مليون عاطل من إجمالى حجم قوة العمل الذى بلغ نحو 29.149 مليون موظف، وعلى الرغم من التحسن النسبى فى معدل البطالة، إلا أنه مازال مرتفعاً.
بالرجوع مرة أخرى الى حكم المحكمة الإدارية العليا، يتبين أنه أشار إلى المادة 17 من الدستور المصرى الصادر فى عام 2014، والتى جاء فيها «تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعى ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى الحق فى الضمان الاجتماعى، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادراً على إعالة نفسه وأسرته، وفى حالات العجز عن العمل، والشيخوخة والبطالة، وتعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصيادين، والعمالة غير المنتظمة، وفقًا للقانون».
وفى نفس السياق، أقرت المادتين 4 و5 من قانون الضمان الاجتماعى رقم 137 لسنة 2010 التزام الدولة بدفع معاش للعاطلين عن العمل كأحد الضمانات الاجتماعية المهمة التى تكفل حياة كريمة للمواطن.
وبالنظر إلى ما يجرى فى العالم حولنا بشأن استحقاق معاش العاطلين، يتبين أن هذا الأمر مطبق فى كثير من دول العالم ومنها دول عربية مثل الكويت والبحرين، ويطلق علية إعانة البطالة أو تعويض البطالة أو تأمين البطالة، وهى تعنى الأموال التى تدفعها الدولة للعاطلين عن العمل الذين فقدوا وظائفهم بسبب تسريح العمال أو تخفيضهم، ويهدف معاش البطالة إلى توفير مصدر دخل للعمال العاطلين عن العمل حتى يتمكنوا من العثور على عمل آخر.
كما يخضع استحقاق معاش البطالة لشروط ومعايير معينة يجب أن يستوفيها العامل العاطل عن العمل، ولا يوفر معاش البطالة استعاضة جزئية عن الدخل إلا لفترة محددة من الوقت أو حتى يجد العامل عملاً آخر، أيهما يأتى أولاً.
من ناحية أخرى، يواجه التطبيق العملى لمعاش العاطلين عدة صعوبات وتحديات أبرزها توفر المخصصات المالية الكافية فى ضوء القيود المفروضة على موازنة الدولة التى نعانى من عجز مزمن.
فمن المتوقع أن تكون التكلفة كبيرة جداً وخصوصاً أن معدل البطالة مازال مرتفعاً، كما ينبغى تطوير الآليات والإجراءات التى تضمن حصر أعداد العاطلين بدقة ومراجعة انطباق شروط الاستحقاق عليهم حتى لا تُهدر أموالاً طائلة وينتهى المطاف بدفع أمول الى غير مستحقيها، ومنهم المتبطلين الذين يفضلون الجلوس على المقاهى فى انتظار الوظيفة التى تليق بهم، وعاشقى التمرغ فى تراب «الميرى» الذين يبحثون عن أمان الوظيفة الحكومية حتى وإن كان الراتب أقل كثيراً من وظيفة القطاع الخاص.
خبير مصرفى
[email protected]