
اقتصادنا يا تعبنا..الحلقة«45»
لاشك أن الدول المحيطة بنا إقليمياً تتنافس على تسخير كل الطاقات والإمكانات لخلق بيئة استثمارية جاذبة ومستقرة ومستدامة.. يحكمها إطار قانون وتنظيمى وبيئة مؤسسية داعمة لها.. فى دولة تتمتع بالاستقرار السياسى والاقتصادى.. دولة بالبلدى تشرح النفس.. فما بالك بدولة غنية تتمتع بالعديد من الموارد الطبيعية والبشرية والموقع الجيوسياسى المتميز بها العديد من الموانئ البحرية والجوية.. دولة تتمتع بالعديد من الاتفاقيات التجارية للنفاذ إلى أسواق هى مقصد جميع الدولة المتنافسة عليها (الاتحاد الأوروبى – المنطقة العربية «جافتا وأغادير» – المنطقة الأفريقية «الكوميسا» – أمريكا – والميركوسور..) دولة بها العديد من المناطق السياحية الخلابة على البحر الأحمر أو المتوسط.. دولة المعز والإسكندر الأكبر.. دولة الفاطميين والعثمانيين.. دولة الفراعنة.. وما أدراك ما آثار الفراعنة.. دولة إسلامية غنية بآثارها..
كل هذا فى دولة بحجم مصر.. ولكن تعانى من أزمة اقتصادية وضعف فى موارد النقد الأجنبى.. تعانى من انقسام بين أطياف عديدة من الشعب.. كنا قد غمرتنا السعادة بعد 30 يونيو 2013 وإزاحة الأخوان.. قد غمرتنا السعادة وتولى نظام هدف إلى توحيد الصف المصرى من جديد.. أتمنى أن تسود وحدة الصف دون أن تنغص عليها قضايا اقتصادية مثل ارتفاع الأسعار – ارتفاع معدلات البطالة – ارتفاع عجز الموازنة – جوع وفقر – فرض رسوم وضرائب جديدة دون أن يقابلها تحسن فى الخدمات – انخفاض فى مستويات المعيشة – وانخفاض قيمة العملة بعد التعويم وتصاعد معاناة الشعب بسبب ما آلت إليه الأسعار سواء منتجات أو مرافق أو خدمات.. أو قضايا سياسية مثل إقرار اتفاقية تيران وصنافير – أداء برلمانى مهزوز منقسم على نفسه دون رؤية سياسية – أداء حكومى تقليدى لا يرقى إلى المستوى المطلوب لينقل مصر من عثرتها إلى تقدم اقتصادى مستدام يعود على المواطن بالرقى وارتفاع مستوى المعيشة.. اهتزاز الثقة بين الحكومة ومجتمع اﻷعمال.. الجهاز البيروقراطى وما يرتبط به من فساد.. الوضع السياسى اﻹقليمى وتوترات المنطقة.. إلخ.
بالنظر إلى ما سبق كيف ينظر المستثمر (المحلى أو الأجنبى) إلى بلد مثل مصر وكيف يمكن لمصر أن تجعل من نفسها مرآة جيدة للمستثمر المحلى قبالة الأجنبى.. ليس هناك دولة تخلو من عيوب، ولكن كيف يمكن تعظيم فرص تحسين الوضعين الاقتصادى والسياسى ووزيادة الاستثمارات المحلية وجذب مزيد من الاستثمارات الاجنبية؟
إن توافر مناخ اقتصادى وسياسى يعد أولوية أولى يدعمه إصلاح مؤسسى حقيقى لجهاز الدولة البيروقراطى ومناخ استثمارى جاذب.. بدءاً من دخول السوق ثم منظومة منح تراخيص وتخصيص أراضٍ شفافة وسلسة وغير مشتتة.. ثم جميع العمليات التى تمس توسع أو تقلص المشروع الاستثمارى حتى خروجه من السوق إلى دولة تحترم تعهداتها وعقودها مع المستثمر دولة قانون يطبق على الجميع بالتساوى، وإن كانت الحوافز المالية وغير المالية مشجعة فهى ليست كل شىء ولا تأتى على ترتيب سلم الأولويات وهذا لا يعنى عدم جدواه ولاسيما فى بدايات التشجيع على الاستثمار.. العبرة بالتطبيق.. فما أهمية وجود حوافز مالية فى بيئة تعتريها بيروقراطية متغوطة تشوب جنباتها وتخترق أجهزتها ومحلياتها فيروسات الفساد.. كوادر إدارية مترهلة ولا تليق ببلد بحجم مصر.. كوادر غير مؤهلة منها ما كبير السن ومنها متوسط السن ومنها شباب بهتت عليه البيروقراطية المتعفنة، كوادر تعمل خارج الصندوق.. دون الإخلال بقانونية الإجراءات أو إغفالها.. هناك يأتى اللعب التكتيكى الجيد استخدام ذات القواعد بفكر مختلف وبتوقيتات مختلفة.
فالمستثمر يرغب فى بيئة استثمارية جاذبة مستقرة السياسات والقوانين ومستدامة ليستطيع حساب تكاليفه والتنبؤ بها، ولا يفاجأ بقرارات تصدير بين يوم وليلة أو سياسات تقلب خططه رأساً على عقب ولا يستطيع حينها اتخاذ قرار بالتوسع أو الاستثمار الجديد أو حتى الخروج فى بعض الأحيان.. بيئة توازن بين حقوق وواجبات كل من صاحب العمل والعمال.. بين الحكومة والمستثمرين.. بيئة تعمل فيها الحكومة بتناغم وتنسيق.. بيئة لا يعرف فيها جهاز إدارى جهازاً آخر ولا يتنازعون فى اختصاصات.. بدل يدعم كل منها الآخر.
ولاشك أن تكليف كل وزارة بميكنة خدماتها وتبسيط إجراءاتها وخلق شباك واحد لديها يسهل ربطه بباقى خدمات الأجهزة الأخرى سيكون له أثر إيجابى على الحد من البيروقراطية وقفل منابع الفساد من خلال تقليل التعامل المباشر مع الموظف.. وخلق بيئة مميكنة يستدعى فكراً مختلفاً وفريقاً محدوداً للعمل مدرباً، لأن الميكنة تقلل من عدد الموظفين، وتهمش البيروقراطيين أو من تعفنوا وبهتت عليهم مساوئ البيروقراطية..
وللحديث عن بقية عن كيفية عرض الفرص الاستثمارية.
وما نبغى إلا إصلاحاً
خبير اقتصاد واستثمار وتطوير أعمال