الدوام الجزئى يحقق التوازن بين استمرار الإنتاجية ومراعاة تقدم العمر
يظهر التاريخ، أنه تم تشكيل مرحلة حياة جديدة يمكن أن يؤدى استغلالها إلى تغيير مؤسسى عميق، فقد مهد التركيز الجديد على الطفولة فى القرن التاسع عشر الطريق لقوانين حماية الطفل، والتعليم الإلزامى، ومجموعة من الشركات الجديدة المتخصصة فى لعب وكتب الأطفال. وعندما كبر هذا الجيل من الأطفال ليحتل فئة المراهقين لأول مرة فى أمريكا فى الأربعينيات من القرن العشرين، اتضح أنهم مصدر دخل كبير بفضل استعدادهم للعمل بدوام جزئى وإنفاق دخلهم بحرية على السلع والخدمات الجديدة. ويعطى التاريخ درساً فى أن مراحل الحياة بشكلها الجديد يمكن أن تؤسس لبنية اجتماعية جديدة لها آثار حقيقية على الاقتصاد.
ويستند تقرير مجلة إيكونوميست البريطانية إلى هذا التحليل التاريخى فى احتجاجه بأن النجاح فى جعل حياة المواطن أطول مالياً وأكثر قابلية للاستمرار بنفس طولها العمرى والصحى بحيث تكون منتجة وممتعة، يتطلب إعادة التفكير أساساً فى مسارات الحياة، وتقديم نظرة جديدة على الافتراضات حول الشيخوخة التى ما زال الباحثون ينظرون إليها نظرتهم القديمة.
ومع ارتفاع متوسط العمر، وانتشار هذه الظاهرة، حالياً، يحتاج الأمر إلى التخطيط له لتغير النمط السائد إزاء اعتبار مرحلة الشيخوخة للسكان تبدأ عند وصول الناس إلى 65 عاماً، بحيث ينتقلون من كونهم من المساهمين الصافيين فى الاقتصاد إلى المستفيدين الصافيين من الفوائد. ولكن إذا ظل الكثير منهم أكثر نشاطاً من الناحية الاقتصادية، فإن العملية ستصبح أكثر تدرجاً ودقة، ما يعنى أن السوق الذى يخدم هؤلاء المستهلكين سوف يتوسع إذا ما قامت الشركات بدور أفضل لتلبية احتياجاتهم.
وأهم طريقة لجعل التقاعد مستداماً من الناحية المالية سيكون تأجيله من خلال مد فترة العمل لوقت أطول، ويمكن فى كثير من الأحيان أن يتم ذلك من خلال الدوام الجزئى الذى يناسب تقدم العمر أيضاً.
من ناحية أخرى، يمكن تحقيق الكثير من الفوائد للاقتصاد وللأفراد، أيضاً، من خلال تحسين المنتجات المالية للتقاعد؛ حيث تحتاج الصناعة المالية إلى تحديث نموذج دورة الحياة الذى تستند إليه معظم منتجاتها ومشورتها، فالحياة اﻷطول تتطلب، ليس فقط أدوات مالية أوسع نطاقاً، ولكن أكثر مرونة، أيضاً، فى الطريقة التى يمكن استخدامها.
وبما أن نظم المعاشات التقاعدية المحددة الاستحقاقات أوشكت أن تصبح شيئاً من الماضى، فينبغى تشجيع الناس على تخصيص ما يكفى من المال لتقاعدهم، على سبيل المثال من خلال خطط التسجيل التلقائى. ومن المرجح أن يفعلوا ذلك إذا كانت صناعة التأمين ستحسن عروضها لحماية كبار السن من بعض المخاطر الرئيسية مثل الإصابة بمرض الألزهايمر (الخرف) أو العيش إلى 120 عاماً.
وبالنسبة لأكبر المجموعات سناً، فعلى نحو متزايد سيكون للتكنولوجيا الذكية دور لمساعدتهم على الاستفادة القصوى من المرحلة النهائية من حياتهم، ولعل من الأمور الجيدة أن المنتجات والخدمات التى وضعت أساساً للشباب، مثل الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعى والمنازل المتصلة بالإنترنت والسيارات ذاتية الحكم يمكنها، أيضاً، أن تكون ذات فائدة كبيرة لكبار السن.