أحب أن أوضح أن النقاش المجتمعى هو أفضل الطرق للوصول للحلول العملية وبالذات لأمور خطيرة تمس حياة كل مواطن وزائر وسائح لهذه البلد.
هناك أربع مؤثرات أساسية تحدد ملامح تسعير الخدمة الصحية بمصر هى أولاً: وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية والتى تطرح الأراضى الجديدة بأسعار مرتفعة للغاية تنعكس على ارتفاع تكلفة الاستثمار اللازم، ثانياً: تحرير سعر الصرف (100% من التكنولوجيا الطبية والمعدات والآلات مستوردة)، وثالثاً: تقادم الخدمة الصحية والتطور التكنولوجى الهائل Robotic surgeries (الخدمات الطبية تتطور بقفزات تكنولوجية هائلة ما يستلزم وضع التقادم كمؤثر سعرى مهم) وأخيراً: فلسفة السوق الحرة (العرض والطلب واستحالة تحديد سعر لأى خدمة وفق آليات السوق الحر).
أعتقد أن السعر يجب أن يؤدى إلى إتاحة الخدمة الصحية فأهم تأثير للتسعير هو «مقدار الإتاحة»، فالفلسفة التى يجب أن نبنى عليها التسعير هى الـ Service Availability وهى ضمان تحريك السعر الذى يحقق إتاحة الخدمة وتواجدها بصورة دائمة وضمان تطورها، وأكبر دليل على ما أقوله هو قرار البنك المركزى بتحرير سعر الصرف لإتاحة الدولار.
أنا شخصياً لا أعتقد أن الوزارة تدرس تحديد سعر للخدمة الصحية، فالوزارة هى جزء من الدولة ذات توجهات «الاقتصاد الحر» والدليل على ذلك أن الاستثمارات المباشرة FDI التى تدفقت إلى قطاع الصحة خلال الفترة القصيرة الماضية (2014-2016) وصلت إلى 10 مليارات جنيه، وآخرها استثمارات مجموعة مستشفيات السعودى الإلماني، بالإضافة إلى العديد من الاستثمارات المحلية الأخرى.
لا أعتقد أبداً أن الدولة المشجعة للاستثمار ستخنق المستثمر وتتحكم فى تسعير الخدمة، وهو تصرف مخالف للمنطق وللقانون، ولكنى أعتقد أن الوزارة تدرس تسعير استرشادى وليس إجبارياً وهو شيء يجب أن نشجع الوزارة على فعله، فالكثير من المؤسسات المصرية الصحية ليس لديها كوادر متخصصة وقادرة على مساعدة الكيانات الصحية فى تحديد المكونات السعرية والتى تحقق التوازن المطلوب.
على يقين أن الوزارة تدرس تقديم تصورات تساعد فى توجيه القطاع الخاص وكل من يبيع الخدمة الصحية مثل الجامعات (الخاصة والعامة) والمؤسسات الصحية الخيرية وطبعا القطاع الخاص الخدمى وأخيراً الأطباء فى عياداتهم الخاصة (شركات فردية).
تحديد السعر من أهم أسباب تدنى خدمة الطوارئ بالرغم من نجاح الدولة الرائع فى تقديد خدمة الإسعاف والتى تطورت بشكل رائع والتى لها سعر «سوقي» يتنافس فيه مختلف مقدمى الخدمة فوصلنا بالسعر إلى الرقم المناسب للجميع.
غياب السعر المناسب لتكلفة خدمة الطوارئ والتى تتحملها الدولة عن المواطن وتدفعها من خلال التأمين الصحى الاجتماعى للمستشفيات، جعل تلك الخدمة فى أسوء حالاتها، كما جعلها صورية فى المؤسسات والمحافظات ومساوية لما يتم دفعه (تذكروا ماذا حدث ويحدث حتى الآن فيما يخص التسعير الجبرى للدواء).
أخيراً أحب أن أوضح أن ما نحتاجه هو ضمان الوصول لتسعير عادل للخدمة الصحية (خدمة ودواء)، العدل معناه الإتاحة للجميع والتكافل لصالح غير القادرين وبالذات خدمات الطوارئ وعلاج الأمراض المفلسة للأسر (مثل زراعة الأعضاء والأورام )، ما نحتاجه هو الحوكمة بشقيها الإكلينيكية والمؤسسية ) Corporate and clinical governance )، فالحوكمة بمكوناتها الأساسية مثل النزاهة والمسئولية والمصارحة والمكاشفة تجبر المؤسسات على نشر أسعار خدماتها بوضوح تام وهو من أهم القرارات التى ستساعد فى الوصول للسعر العادل للخدمات الصحية والذى بدوره سيتيح الخدمة ويضمن جودتها واستمرارها.
أ.د خالد سمير
العضو المنتدب لمستشفيات ومراكز دار العيون
عضو غرفة مقدمى الخدمات الصحية باتحاد الصناعات المصرية