بادر البنك المركزى الأوروبى، بما كان أول تدخل استثنائى ومطول فى الأسواق، عندما أقدم منذ 10 سنوات، على احتواء الضرر الناتج عن التحمل المفرط للأوراق المالية المدعومة برهن عقارى من قبل البنوك.
وتغير الكثير من ذلك الوقت.. لكن لا يزال الكثير أيضاً على حاله، ورغم انخفاض مخاطر زعزعة الاستقرار المالي، لكنها لم تختف تماماً.
وعندما أدرك المركزى الأوروبى التهديد للاستقرار المالى النظامي، قام البنك بقيادة جان كلود تريشيه، بأفضل ما تفعله البنوك المركزية فى مثل هذه الظروف لتجنب مزيد من الانهيارات فى الأسواق، ووفر سيولة كبيرة، لكن لم يدرك أحد فى فرانكفورت ولا فى أى بنك مركزى آخر، ناهيك عن وزراء المالية، وجود مشكلة أكبر بكثير وهى التحمل المفرط للمخاطر من قبل النظام المصرفي.
وتوسعت البنوك سعياً وراء مزيد من العائدات، واستناداً على الدعم الظاهر والباطن من قبل الحكومات، واستثمرت بشدة فى الأوراق المالية غير السائلة وصعبة التسعير، وكانت المشكلات على وشك التضاعف على مدار الـ13 شهراً التالية، ما أثار الشكوك حول العنصر الأكثر حيوية للنظام المالى – وهو الثقة فى نظام التسوية والمدفوعات – وما ينتج عنه من مخاطر «التوقف المفاجئ» للمعاملات المالية والاقتصادية، سواء المحلية أو الدولية.
ووصل الأمر إلى الذروة فى سبتمبر 2008. ووقعت الأزمة المالية التى دفعت بالاقتصاد العالمى إلى شفا الركود، وعدم وجود بدائل مما أجبر البنوك المركزية على التدخل بطريقة لم تتخيلها يوما، وهو ما فتح العديد من نوافذ التمويل الطارئ، وشراء جميع انواع الأوراق المالية وتخفيض أسعار الفائدة، وصاحب ذلك ضخ الحكومات، تريليونات الدولارات من أموال الممولين لإنقاذ البنوك حول العالم.
وتضمنت الخطة تجنب تخفيض مفاجئ للديون على المدى القصير من خلال استبدال مصادر الائتمان الخاص بمصادر عامة، وفى الوقت نفسه، تعزيز الإشراف على القطاع المصرفى وتنظيمه، وعلى المدى الطويل تعزيز معدلات النمو بما يسمح بتخفيض منظم لعبء الديون دون التضحية بالكثير من النشاط الاقتصادى.
والتقدم الملحوظ فى الإجراءات قصيرة المدى لم يصاحبه تقدم كاف فى الإجراءات طويلة المدى، ونتيجة لذلك، تطورت مخاطر الاستقرار المالى وتحولت إلى المؤسسات غير المصرفية التى لا يزال بإمكانها إحداث تداعيات سلبية فى الاقتصاد الحقيقي.
وعلى الجانب الأكثر إيجابية، تعززت انظمة التسوية والمدفوعات بطريقة تخفض بحدة احتمالات التوقف المفاجئ، كما عززت البنوك، وخصوصاً فى الولايات المتحدة، رؤوس أموالها وحسنت هياكل الديون، وجعلت الميزانيات أكثر شفافية.
ولكن فى الوقت الذى انخفضت فيه بقدر كبير المخاطر التى يفرضها القطاع المصرفي، ارتفعت المخاطر من اللاعبين الماليين من غير البنوك مثل المتداولين والمستثمرين الذين اعتادوا على الأموال الوفيرة فى السوق.
ولا يزال «البحث عن العائد» قوياً وظاهراً فى المؤسسات المالية غير المصرفية، وأصبحت هناك مجموعة كبيرة من المنتجات، بما فى ذلك بعض أنواع صناديق المؤشرات، التى وعدت بسيولة أكبر مما تستطيع تقديمها للمستثمرين، وخصوصا فى قطاع الشركات سواء فى الأسواق المتقدمة أو الناشئة.
وشغلت الفراغ الذى خلفه البنوك فى مجالات معينة المؤسسات الأخرى التى تخضع لتدقيق تنظيمى أقل ومصداقيتها لم تختبر بعد فى دورة كاملة للسوق.
وفى الواقع، هناك مخاطر نظامية أقل بشكل عام، ولا توجد أى مطالبة واضحة بأن تحمل المؤسسات غير المصرفية ضمانات مدعومة بأموال دافعى الضرائب، كما ان المخاطر بعيدة كل البعد عن نظام التسوية والمدفوعات.
ورغم أن هذا يبدو مريحاً، فلا تزال هناك كثير من الديون فى بعض القطاعات متعثرة النمو فى الشركات والاقتصادات، وحال تحول النموذج السائد فى السوق بشكل مفاجئ، فسيتسبب «وهم السيولة» فى القطاع.
وإذا استمر هذا الأمر بطريقة غير منظمة، فسيتسبب بسهولة فى إحباط الاستثمار والاستهلاك.
وكانت استجابة البنك المركزى الأوروبى من 10 سنوات ماضية جزءاً من مجهودات مبهرة للبنوك المركزية لاحتواء المخاطر النظامية وحماية الاقتصاد العالمي، ونجحت تلك المجهودات بشكل ملحوظ فى قطاع البنوك، خصوصا فى الولايات المتحدة، ولكن على حساب تحول المخاطر إلى مكان آخر، وإذا لم يصاحب مجهودات البنوك المركزية تحرك حكومى أكثر عزما على تحسين آليات النمو الحالى والمستقبلي، فإن الدروس المستفادة لن تكون كافية.
إعداد/ رحمة عبدالعزيز
المصدر/ وكالة أنباء «بلومبرج»