حسين عبدربه يكتب: كارثة القطار.. ومخطط إفشال الدولة


عندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن مخططات إفشال الدولة، بالتأكيد لم يكن حديثه قاصراً على الإرهاب الأسود الذى تواجهه البلاد من عناصر خارجية تنفذ مخططات دولية.. بل إن مخططات إفشال الدولة كما فهمتها من حديث الرئيس ليست قاصرة على إرهاب الخارج.. بل هناك إرهاب فى الداخل يخطط لإفشال الدولة.. ونأخذ مثالاً لذلك كارثة قطار الإسكندرية منذ يومين والتى راح ضحيتها نحو 49 شخصاً.

هذه الكارثة توثق لإرهاب الداخل المتمثل فى الفساد ومخرجاته من الإهمال والتقصير وعدم مراعاة الضمير، واستمرار الفساد وانتشاره فى كل قطاعات الدولة وأجهزتها هو أخطر مخطط لإفشال الدولة.. فحادث القطار لم يكن الأول ولن يكون الأخير.. نعم هناك قدر وأجل لهؤلاء الضحايا.. ولكن نحن نتحدث عما فعلناه من ضمان جودة نظم الأمن والأمان فى مرفق السكة الحديد، بما يضمن تقديم خدمة جيدة وأمان للركاب.. هل القطار الذى خرج من المحطة كان سليماً ومطابقاً لمواصفات التشغيل؟ هل باقى المنظومة جيدة؟ هل حركة القطارات يتم متابعتها إلكترونياً أم أننا نترك القطار يسير وحده دون أن يتابعه أحد؟

ونترك مصيره ومصير آلاف الركاب فى يد سائق أو عمال تحويلة قد يغلبه النعاس أو يحدث له أمر يعجزه عن عمله فتكون الكارثة وقد كانت فى عشرات الحوادث السابقة، والنهاية محاكمة سائق أو عامل تحويلة، أما المسئولين عن المنظومة لا أحد يحاسبهم، وسيتكرر نفس السيناريو فى حادث الإسكندرية أن سائق القطار وعامل التحويلة يتحملان المسئولية وحتى إذا كانا الاثنان مخطئين فهؤلاء من ضمن المنظومة المتهالكة لم يدربا على مواجهة الأزمات أو الأعطال ولم تتوافر لديهما شبكة إغاثة إلكترونية.. لذلك لا أرى فى محاكمة هؤلاء حلاً للمشكلة أو تهدئة لغضب الرأى العام.. إن محاربة الفساد تقتضى قنص رؤوس المفسدين المسئولين عن إدارة هذه المنظومة السيئة.. أما محاكمة الصغار فلن يعدل من هذه المنظومة بل ستبقى ويتكرر الحادث تلو الحادث.. لماذا لا يسأل وزير النقل ورئيس هيئة السكة الحديد ليس عن الحادث ولكن عن منظومة العمل فى هذا المرفق الحيوى؟، فلو أن منظومة العمل بالمرفق جيدة ما وصلنا لهذه الكوارث الناتجة عن أخطاء فنية وبشرية بسبب غياب عنصرى الجودة والأمان، فلماذا لا يتوافر لهذا المرفق ما يتوافر لمنظومة الطيران بداية من صلاحية الطائرة وطاقمها للطيران ثم نظم الملاحة الجوية لمتابعة حركة الطيران فى الأجواء المصرية؟.. قارن بين منظومة الجودة والأمان فى الطيران والسكة الحديد.. الأمر مختلف تماماً مع أن كلاهما ينقل بشر وإن كانت السكة الحديد فى الغالب منوطة بنقل الركاب الغلابة.. المضحك أنهم فى السكة الحديد يحدثونك عن تطوير المرفق بشراء جرارات جديدة وإدخال القطار المعلق والمكهرب الخدمة.. فإذا كنا لا نضمن سير القطارات على الأرض فكيف نضمن سلامتها وهى معلقة بأرواح الركاب فى السماء.
يا حضرات السادة المسئولين عن مرفق السكة الحديد، هناك اختراع فى العالم المتقدم اسمه التكنولوجيا وهو عبارة عن أجهزة وبرامج إلكترونية يمكن استخدامها لتحديث المنظومة وتطويرها وضمان جودتها ومتابعة حركة سير القطارات دقيقة بدقيقة وتطوير نظم التشغيل ورصد الأعطال قبل حدوثها وتقديم رسائل الإغاثة والانذار المبكر.. لو نظر أحدكم إلى إمكانات السيارة الفاخرة التى يركبها أو التى تم شراؤها من أموال الركاب الضحايا لوجد أن بها شبكة إلكترونية ترصد له الأعطال وتحذره من المطبات وتنذره بكل المشاكل فى سيارته.. الحلول موجودة وبسيطة.
يا سادة المهم الضمير.. أنكم بمثل هذه الأخطاء والتى ينتج عنها كوارث تساهمون فى إفشال الدولة.. نعم.. فما حال الدولة تقتل مواطنيها بأخطاء مرافقها وخدماتها.. من يثق فى مرفق متهالك؟ إذاً عليه أن يفكر فى بديل آمن.. من هو المواطن الذى ينتمى لبلد يعلم أنه إما ميت نتيجة الإهمال فى مستشفى أو كارثة قطار أو طريق متهالك أو رعونة سائق محشش.. فى كل ما سبق هو مخطط لإفشال الدولة وإذا كنا تحدثنا عن مرفق واحد وهو السكة الحديد على ذكر ما جرى بكارثة قطار الإسكندرية.. فالأمر لا يتغير كثيراً فى باقى المرافق، إننا لا يجب أن نكتفى فقط بالقبض على الفاسدين بل لابد من تغيير وتعديل منظومة العمل فى المرافق والخدمات بما يضمن جودة أداء الخدمة وتوفير الأمان لمتلقيها بذلك نقضى على الفساد أو نحد منه على الأقل.
إن إصلاح البيت من الداخل أمر مهم حتى نكون قادرين على مواجهة إرهاب الخارج.. فيكفينا هذه الدماء الذكية التى تراق من جنودنا الشرفاء فى مواجهة الإرهاب الأسود.. أما أن نقتل أنفسنا بأخطائنا فهذا هو الفشل بعينه ونحن لا نريد أن نكرر عبارة الفشل ونحن نبنى دولة حديثة ونعلم أن هناك من لا يريد لهذه الدولة أن تقوى ولا لهذا الشعب أن ينهض.. ولكن الدول لا تبنى بالأحلام وبالنوايا ولكن تبنى بعقول وسواعد وإخلاص أبنائها.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

مواضيع: الإسكندرية

منطقة إعلانية



نرشح لك


https://alborsanews.com/2017/08/13/1043820