لفت انتباهى هذا الأسبوع اجتماع معالى رئيس الوزراء بهدف تنمية النشاط الزراعى فى مصر، وأعلم جيداً أن مصر تشتهر بكونها دولة زراعية، فالزراعة يعمل بها أكثر من 6 ملايين فرد، يشكلون 21% من إجمالى العمالة فى القطاعات الاقتصادية، كما تصل قيمة الصادرات من الحاصلات الزراعية إلى نحو 2.1 مليار دولار، وذلك بما يمثل نسبة 11.5% من إجمالى قيمة الصادرات المصرية خلال عام 2016.
كما أعلم جيداً بأننا نسعى إلى التوسع فى زيادة الرقعة الزراعية، ونهتم بأبحاث زيادة الإنتاجية، فتلك الجهود لا يمكن إغفالها بأى حال من الأحوال، لكن هل تساءلنا عما إذا كانت تلك الجهود تتلاءم مع التوجهات الدولية؟، بمعنى هل يهتم العالم فى تلك الآونة بالزراعة بصورة مجردة، أم يهتم بشىء آخر مكمل للنشاط الزراعى؟ هل تساءلنا عن خطوات واهتمامات الدول المتقدمة؟
الإجابة تأتى بأن العالم يتجه نحو زيادة المكون الصناعى المرتبط بالأنشطة الزراعية، بمعنى أن العالم يتجه نحو التصنيع الزراعى، بهدف زيادة القيمة المضافة للحاصلات الزراعية، ويقلص من اهتماماته بالتوسع الزراعى بصورة منفرده، فالتصنيع الزراعى يخلق المزيد من فرص العمل الناتجة عن التتابع فى المراحل الإنتاجية للحاصلات الزراعية، ومن ثم يكون له أثره الفعال فى خفض معدلات البطالة والفقر.
وفى ذلك الإطار استطاعت العديد من الدول تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال اهتمامها بالتصنيع الزراعى، فاستطاعت الهند وتايلاند وماليزيا والبرازيل أن ترتقى بصادراتها الصناعية الزراعية، خاصةً الغذائية منها، وذلك بتنمية التجمعات الزراعية الصناعية المتكاملة، والتى لعبت دوراً رئيسياً فى زيادة القيمة المضافة، وخلق فرص العمل.
فحينما لجأت تلك الدول إلى تطبيق فكر التجمعات الزراعية الصناعية، فقد أيقنت أن الكيانات والهياكل المؤسسية القائمة بالفعل ستكون العائق الرئيسى أمام التنفيذ، لذا سعت العديد منها إلى إنشاء كيانات مؤسسية معنية فقط بشئون تلك التجمعات، للتغلب على المعوقات الإدارية والإجراءات البيروقراطية التى قد تعيق خطوات التنمية المنشودة، فى حين سعت دول أخرى إلى تغيير المهام المؤسسية للكيانات القائمة كى تكون قادرة على تحقيق الأهداف التنموية المرجوة.
فالتوسع الاستثمارى فى إقامة التجمعات الزراعية الصناعية المتكاملة، سيهدف إلى تنفيذ سياسة الدولة بالتركيز على زراعة منتجات محددة، يمكن أن تحل محل واردات من سلع زراعية استراتيجية، بل ستسهم فى زيادة قيمتها المضافة التصنيعية، دون إغفال لمبادئ التنمية المستدامة، وبالمشاركة ما بين القطاعين العام والخاص.
وفى إطار خطوات تلك الدول، دعونا نتساءل أين نحن من فكر التنمية الصناعية الزراعية المتكاملة؟ نجد أننا أبعد ما يكون، فمؤسساتنا لا تمتلك أدوات وثقافة التوسع فى تلك التجمعات، وبالتالى فهى غير مؤهلة لتطبيق هذا الفكر، فالمؤسسات المعنية بالصناعة اهتمامها الأول والأخير هو الصناعة والصناعة فقط، وإن تكرمت وحادت عن تفكيرها فخطواتها تكون على استحياء.
أما المؤسسات المعنية بالزراعة ومن خلال الخبرة العملية، أرى أن لديهم الرغبة نحو الارتقاء وتقديم الأفضل بعكس ما يتم الترويج له من أفكار تعطى انطباع بأنه لا يجب الاقتراب من هذا الصرح المؤسسى، بل أنه من الأفضل أن يتم تركه هو وشأنه.
فما نفتقده هو وجود حلقة الوصل المؤسسية ما بين الصناعة والزراعة، ما نفتقده أن يكون هناك تنسيق كامل وخطوات ثابتة لتنفيذ أهداف محددة، تصب جميعها فى بوتقة الارتقاء بالتصنيع الزراعى وصادراته، والحد من وارداته.
وفى ذلك الشأن نكون فى حاجة إلى وزارة للتصنيع الزراعى والتجمعات الزراعية الصناعية، وليست وزارة للزراعة واستصلاح الأراضى.
د/ شيماء سراج عمارة
خبير اقتصادي
shaimaaserag@hotmail.com