بالأمس القريب كنت أكتب عن دعم الفشل المتمثل فى القيمة التقديرية لدعم الكهرباء والتى يضيع معظمها هباءً بفعل الهدر والفاقد، وسرقة التيار، وضعف التحصيل، والرواتب والمكافآت التى تؤدّى لمستشارين وعمالة غير منتجة أو ضعيفة الكفاءة والإنتاجية.. وكذلك يتم تحميل تكلفة الكيلووات التى يتحملها المواطن بإدارة مالية مشكوك فى كفاءتها، نظراً للعمل فى بيئة احتكارية وفى غيبة أى نوع من المنافسة. ونتيجة لتلك الإدارة المالية يتحمل الكيلووات بنسبة من المديونية على الشركة، والديون بالعملة الصعبة تفقمت كثيراً فى أثر قرار تحرير سعر الصرف والذى يتحمل المواطن عواقبه مضاعفة ومن كل اتجاه.
الدعم إذن مغالى فى تقديره وبالتالى تحريك الأسعار بدعوى رفع الدعم ليست دقيقة، فما يحدث هو تسعير جبرى يعكس نوعاً من الإتاوة فوق التكلفة المنطقية للكيلووات والتى لا يفترض أن تصل إلى 7،5 سنت بما يعادل نحو 135 قرشاً (وهى سعر الكيلووات فى الشريحة الأعلى قبل إضافة المصروفات الإدارية والرسوم الأخرى ومع ذلك يزعم أنها مدعمة!) وكشفت فى مقال بصحيفة كبرى عن خداع المقارنات التى تعقدها لنا الوزارة لدى الحديث عن أسعار الكهرباء عن جداول أسعار الكهرباء والتى تضعنا فى الشريحة الدنيا من الدول، نظراً لأنها تغفل تماثل القوى الشرائية Purchase Power Parity والذى قد يصعد بمبلغ 7،5 سنتاً إلى ما يعادل نحو 25 سنتاً أو أكثر بما يضعنا بين أغلى الدول تسعيراً للكهرباء مثل إيطاليا!
تصريحات الوزارة بخصوص عملية التسعير ووضع الشرائح بصورة غير عادلة وتحض على فساد القراءة والتحصيل (كيلووات إضافى فوق الألف يدخل كامل الاستهلاك فى شريحة جديدة بما قد يمثل نحو 500 جنيه إضافية!)، والإصرار على كون هذا التسعير الجديد يدعم صغار المستهلكين من الفوائض التى يدفعها كبار المستهلكين! تعكس مفهوماً ملتبساً لدى الشركة الكهرباء ولدى الوزارة التى لا أعرف لها مهام خاصة بخلاف إدارة الشركة القابضة وشركاتها التابعة!. مناط الالتباس هو انتزاع بعض صلاحيات وزارة سيادية مثل وزارة المالية بغرض فرض ضرائب تصاعدية مستترة على بعض الشرائح وإعادة توزيع الثروات!..
الجديد فى الأمر هو انتزاع جديد لمهام وزارة سيادية أخرى حيث تداولت وسائل الإعلام منذ شهور خطة الوزارة بخصوص استئجار شركة استخباراتية أمنية للقيام بمهام القراءة والتحصيل! مع منح ضبطية قضائية لأفراد شركة الأمن الخاصة لدى القيام بعملية التحصيل! تحوّلت تلك الخطة إلى تصريح جديد تم تداوله منذ أيام يتعلّق بقرب تفعيل تلك الخطة وتحويلها إلى أمر واقع.
نحن إذن بصدد دولة الكهرباء التى هى وزارة للكهرباء والتى هى فى الواقع شركة للكهرباء! شركة تعمل بمزايا احتكارية غير مسبوقة فى مجال يسعى العالم كله إلى فتحه للاستثمار الخاص وعدم المساهمة فى مشروعاته إلا ما يتعلق بشبكات التوزيع والتحويل الرئيسية وأعمال البنية الأساسية التى يعزف المال الخاص عن الاستثمار فيها لارتفاع تكلفتها ومنفعتها العامة. الوضع الاحتكارى للشركة نشأ عنه ممارسات احتكارية رصدها جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية مؤخراً فى عدد من شركات التوزيع التى تفرض على المستهلك تشغيل عدادات كودية (تعمل بكروت شحن) يشترونها حصرياً من تلك الشركات وإلا لن يتم توصيل الكهرباء!.
الكهرباء ليست رفاهية بل مرفقا حيويا هاما وخدمة ضرورية تتوقف عليها حيوات الكثيرين. إنعاش المرضى واحتياجات التسخين والتبريد والإضاءة ليست كماليات وبالتالى يجب أن تكون متاحة للجميع بأسعار تنافسية وأن تدعمها الدولة لمن يستحقون الدعم لا عن طريق احتكار الخدمة بل على العكس عن طريق تنظيم سوقها بشكل تنافسى مع الحرص على شراء عدد من الوحدات الاستهلاكية (نسبة من إجمالى إنتاج الشركات من الكيلووات) وتقديمها مجاناً لبعض المستفيدين المستحقين.
نحن نحتاج إلى جهاز لتخطيط الطاقة كالذى نشأ فى التسعينيات ثم توقّف عن العمل دون سبب واضح! نحتاج إلى رؤية شاملة للتخطيط لهذا القطاع الحيوى بكامل مدخلاته ومخرجاته.
نائب رئيس لجنة الاستدامة بالاتحاد العالمى للبورصات