بقلم: ستيفين اس روتش
أثار الرئيس دونالد ترامب – الذى يبدو وكأنه يسير عكس العالم بأكمله – مجدداً احتمالية صراع تجارى مع الصين، وفى منتصف الشهر الماضى، أمر الممثلين التجاريين الأمريكيين ببدء التحقيق فى خرق الصين لحقوق الملكية الفكرية، وبموجب هذا التحقيق قد تفرض حكومة ترامب تعريفات عالية وواسعة النطاق على الوارادت الصينية.
وفى العلاقات الإنسانية المعتمدة على بعضها البعض، عندما يقوم طرف بتغيير شروط الارتباط، يشعر الطرف الآخر بالإهانة ويرد وفقا لذلك، والمثل يتوقع من الاقتصادات وقادتها، وهذا يعنى أنه فى صراع تجاري، ينبغى الالتفات إلى «الاعتمادية المتبادلة» وفى هذه الحالة استجابة الصين للتصرفات الأمريكية غير متوقعة.
وفى الواقع، أشار وزير التجارة الصينى إلى هذه النقطة بالتحديد فى رده الرسمى على مناورة ترامب، وقال إن الوزارة تتعهد باتخاذ «كل التدابير المناسبة لحماية حقوقها المشروعة».
وانشغالنا بمستوى الاتهامات الأمريكية المفاجئة للصين، جعلنا نبدى اهتماماً أقل بالعواقب المحتملة للرد الصيني، وتبرز هنا ثلاث عواقب اقتصادية:
الأولى، فرض تعريفات على الواردات الصينية من البضائع والخدمات سيعادل رفع الضرائب على المستهلك الأمريكى نظراً لأن تكلفة العامل الصينى تعادل خُمس تكلفة العامل لدى الموردين الأجانب الآخرين لأمريكا، وبالتالى فإن تحويل الطلب الأمريكى بعيداً عن التجارة الصينية سيرفع تكاليف البضائع المستوردة بحدة، وستضر احتمالية ارتفاع أسعار الواردات وتأثيرها المحتمل على التضخم بالطبقة المتوسطة الأمريكية التى عانت من ركود الأجور الحقيقية لأكثر من ثلاثة عقود.
والثانية هى أن التحركات التجارية ضد الصين ستقود إلى أسعار فائدة أعلى، ويمتلك الأجانب حالياً حوالى 30% من جميع سندات الخزانة الأمريكية، وتشير أحدث البيانات الرسمية إلى أن ممتلكات الصين بلغت 1.15 تريليون دولار فى يونيو 2017، أى ما يعادل 19% من إجمالى الممتلكات الأجنبية، وأعلى قليلا من ممتلكات اليابان عند 1.09 تريليون دولار.
وفى حالة فرض تعريفات جديدة، يبدو من المعقول أن نتوقع استجابة الصين بخفض هذه المشتريات، ما سيعزز الاستراتيجية المستمرة منذ ثلاث سنوات والمتمثلة فى التنويع بعيداً عن الأصول المقومة بالدولار.
وفى ظل ارتفاع عجز الموازنة الأمريكية – والذى من المتوقع أن يتسع بعد تطبيق حكومة ترامب لخفض الضرائب ورفع الإنفاق – فإن تراجع الطلب على سندات الخزانة الأمريكية من قبل أكبر مشترى أجنبى سيزيد الضغوط على تكاليف الاقتراض.
والعقبة الثالثة هى أنه فى ظل الركود بنمو الطلب المحلى الأمريكى، تحتاج الشركات الأمريكية إلى الاعتماد أكثر على الطلب الخارجى، ومع ذلك يبدو أن حكومة ترامب لا ترى هذا العنصر فى معادلة النمو، وبالتالى فإن العقوبات التجارية لن تهدد الصين فقط – ثالث أكبر سوق للصادرات الأمريكية – وإنما أيضاً كندا والمكسيك – أول وثانى أكبر أسواق للصادرات على التوالى.
وفى النهاية، فإن السيطرة الاقتصادية للصين على الولايات المتحدة تعود بقدر كبير لانخفاض المدخرات المحلية الأمريكية.
وفى الربع الأول من 2017، وقف صافى معدل المدخرات الوطنى – وهو إجمالى مدخرات الشركات والأسر والقطاع الحكومى – عند 1.9% من الدخل الوطنى، وهو ما يقل كثيراً عن المتوسط على المدى البعيد عند 6.3% والذى كان سائداً فى الثلاثة عقود الأخيرة من القرن العشرين.
وبالتالى فإن نقص المدخرات مع الرغبة فى الاستهلاك والنمو يجبر الولايات المتحدة على استيراد مدخرات إضافية من الخارج لسد الفجوة ما يجعلها مضطرة لإدارة عجز كبير فى الحسابين الجارى والتجارى مع دول مثل الصين لجذب رؤوس الأموال الأجنبية.
وأدارت الولايات المتحدة عجز تجارى مع 101 دولة فى 2016، وهو اختلال خارجى متعدد الأطراف ومتجذر فى مشكلة المدخرات المحلية المزمنة، وحل هذه المشكلة لا يكمن فى الصين.
والمثير للسخرية أن سياسات حكومة ترامب سوف تقود لعجز أكبر فى الموازنة والذى سوف يضع المدخرات الوطنية تحت المزيد من الضغوط، وسوف تشتد الحاجة لرؤوس الأموال الصينية والأجنبية الأخرى.
ولا تمتلك الولايات المتحدة الورقة الرابحة فى علاقتها الاقتصادية مع الصين، وبالتأكيد تستطيع حكومة ترامب الضغط على بكين وقد يكون لديها أسباب وجيهة للقيام بذلك، ولكن الأسئلة العميقة التى تتعلق بعواقب هذا الضغط تجاهلناها تماما، ومن الحماقة أن نقسو على الصين دون الانتباه لهذه العواقب.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت