الدواء يفقد المادة الفعالة للجاذبية الاستثمارية


مستثمرون: زيادة التكاليف عرقلت مساعى التوسعات.. ودفعت الكيانات الجديدة لتوخى الحذر
الليثى: النمو السكانى يحفظ للسوق جاذبيته.. والتسعير المتدنى يعوق الاستثمار
ربيع: زيادة تكاليف التشغيل ستدفع لاستحواذات على الكيانات الصغيرة والمتوسطة
مصدر حكومى: استمرار خسائر الشركات التابعة للقابضة للدواء جمد خطط توسعية وتطبيق التأمين الصحى ضرورى
محلل اقتصادى: اتجاه الحكومة لإنشاء مصانع للخامات يشجع الاستثمار فى الدواء

خيب قطاع الدواء منذ مطلع العام الحالى، الآمال فى جاذبيته الاستثمارية التى توقعتها دوائر الأعمال، رغم استجابة الحكومة لمطالبات تحريك الأسعار بعد سنوات من استقرارها.
اعتبرت شركات عاملة بالقطاع الدوائى التسعير الجبرى المعرقل الرئيسى لجاذبيته للاستثمارات، سواء بالنسبة للمستثمرين الحاليين وتوقفهم عن إجراء التوسعات أو على مستوى المستثمرين الماليين والاستراتيجيين الجدد.
ورغم استجابة الحكومة لتحريك الأسعار مرتين خلال الفترة من مايو 2016 وحتى يناير 2017، لم تنعكس تلك الإجراءات على الاستثمار فى القطاع، خاصة أنها تزامنت مع قرارات تحرير سعر صرف الجنيه وزيادة أسعار المحروقات والكهرباء، والتى ظهرت فى تكاليف الإنتاج.
وقال جمال الليثى، رئيس شركة المستقبل للصناعات الدوائية: «قرارات تحريك الأسعار لم تفلح فى حل أزمات القطاع، فلم تكد الشركات تتنفس الصعداء بعد القرار الأول الصادر فى مايو حتى تفاجئت بتحرير سعر الصرف فى نوفمبر من العام نفسه، كما أطاح رفع أسعار المحروقات والفائدة المصرفية بإيجابيات التحريك الثانى لأسعار الدواء».
وفقاً الليثى، رفعت القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة والبنك المركزى تكاليف الإنتاج بشكل كبير، وخلقت فارقاً ضئيلاً بين سعر البيع والتكلفة، بل تخطت التكلفة، فى بعض الأحيان، السعر النهائى للجمهور.
وأضاف رئيس شركة المستقبل للصناعات الدوائية، أن ارتفاع التكاليف واستمرار التسعير الجبرى عوامل مؤثرة على استقرار أى قطاع.
ورغم جاذبية السوق المصرى بفعل الزيادة السكانية وحجم المبيعات الكبير، إلا أنه لا يمكن إغفال مخاوف الشركات القائمة حالياً من اتخاذ قرار بإجراء أى توسعات، كما تترقب الشركات الجديدة مستقبل السوق فى ظل عدم وجود حلول فعلية من الحكومة لحل أزمة التسعير.
ويجرى تسعير الدواء جبرياً فى السوق المحلى، ولا تستطيع الشركات تحريك أسعار أى منتج مهما ارتفعت تكلفة إنتاجه دون قرار من وزارة الصحة.
وشهدت السنوات الماضية مطالبات من شركات الدواء المحلية والأجنبية بزيادة الأسعار، واستجابت الحكومة منتصف العام الماضى بتحريك أسعار جميع الأدوية التى تقل عن 30 جنيهاً بنسبة 20%، لكن تلك الزيادة لم تكن كافية للشركات بعد تحرير سعر الصرف، ما دفع الحكومة للموافقة على قرار جديد لتحريك الأسعار مطلع العام الجارى، يشمل زيادة 10% من الأدوية المحلية و15% من الأجنبية بنسب تتراوح بين 30 و50%.
وفيما عزف المستثمرون الجدد عن دخول السوق منذ بداية العام، تعهد عدد من الشركات الكبرى القائمة بضخ استثمارات كبيرة خلال السنوات القليلة المقبلة، إذ أعلنت جلاكسو سميثكلاين الانجليزية أنها تخطط لاستثمار 350 مليون جنيه خلال 4 سنوات، وكذا تستكمل نوفارتس السويسرية خطة استثمارية بدأتها عام 2015 تتضمن إضافة عدد من خطوط الإنتاج بتكلفة 600 مليون جنيه.
وأبدت شركتا فايزر الأمريكية وسانوفى الفرنسية خلال لقاء سابق مع وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى سحر نصر، رغبتهما فى استثمار 50 مليون دولار و70 مليون يورو على التوالى، خلال السنوات المقبلة.
وتعد الشركة الإسلامية للأدوية والكيماويات والمستلزمات (فاركو) أكثر الشركات المحلية الراغبة فى تنفيذ توسعات جديدة، لكنها تركز استثماراتها على الأدوية الجديدة والمبتكرة، والتى ستسعر بأسعار تبدو أفضل كثيراً من المستحضرات القديمة المسعرة بمبالغ تصفها الشركات بالمتدنية.
واستبعد رئيس شركة المستقبل للصناعات الدوائية أن تلتزم الشركات الأجنبية بتنفيذ خططها التوسعية التى أعلنت عنها، فى ظل حالة عدم الاستقرار الذى يشهدها القطاع، وقال: «إذا أرادت الحكومة أن يواصل القطاع استقطاب استثمارات كبرى، يتعين عليها توفير عناصر الاستقرار، وفى مقدمتها خفض تكاليف الإنتاج، ووضع حل لأزمات التسعير».
واتفق معه محمد حسن ربيع، رئيس شركة «نات باك» للعبوات الدوائية، وقال إن الشركات الأجنبية أصبحت أكثر حرصاً على تقليل تكاليف الإنتاج إلى أقل درجة ممكنة، ما ظهر جلياً عند التعاقد مع شركته لشراء العبوات المستخدمة فى تعبئة الدواء.
وأضاف ربيع، أن الشركات الكبرى تحاول تخفيض تكاليف الإنتاج بشكل كبير، لذا تبحث عن أقل سعر لمواد التعبئة والتغليف، مما قد يؤثر مستقبلاً على الجودة.
وذكر أنه على عهكس العادة، لم يشهد السوق استحواذات كبرى خلال الأشهر الثمانية الماضية، فيما تتفاوض بعض الشركات حالياً قد تحول لصفقات مستقبلاً.
وخلال السنوات الثلاث الماضية تم تنفيذ عدة صفقات كبرى فى قطاع الدواء، كان أهمها استحواذ شركة فالينت الكندية على شركة آمون للصناعات الدوائية مقابل 800 مليون دولار، وشراء حكمة الأردنية شركة إيمك يونايتد بقيمة 300 مليون جنيه، واستحواذ المهن الطبية على مصنع إيلى ليللى الأمريكية.
وتجرى حالياً مفاوضات متقدمة لاستحواذ شركة أكديما على المتحدون فارما للمحاليل الطبية، ورغبة من صندوق المشروعات المصرى الأمريكى لشراء أوركيديا لقطرات العيون، ومساعٍ لشركة إبن سينا لتوزيع الدواء لبيع جزء من أسهمها فى البورصة.
واستبعد محمد حسن ربيع تنفيذ صفقات استحواذ أو توسعات كبرى الأشهر القليلة المقبلة، لتتركز الصفقات فى الشركات الصغيرة والمتوسطة التى قد تدفعها الزيادة الكبيرة فى تكاليف الإنتاج للتخارج من السوق، وبتقييمات مغرية.
وبرر ربيع الخطط التوسعية للشركات الأجنبية رغم الأزمات، بتوجيه إنتاجها للتصدير بشكل رئيسى، فالشركات متعددة الجنسيات لن تفرط فى السوق المصرى الكبير وستنفذ توسعات بغرض التصدير للأسواق المجاورة لتحقيق عوائد جيدة.
ودعى ربيع شركات الدواء المصرية للحصول على شهادات الجودة العالمية للتصدير لجميع الأسواق، وأن يتزامن مع ذلك صدور قرار حكومى بحل أزمة مطالبة الدول المجاورة بالتعامل بسعر الدواء فى بلد المنشأ.
وتراجعت صادرات شركات الأدوية المحلية خلال النصف الأول من العام الجارى بمعدل 18.4% وسجلت 102 مليون دولار، مقابل 121 مليون دولار الفترة نفسها العام الماضى، وبرر المجلس التصديرى للصناعات الطبية التراجع بتدنى أسعار الدواء المصدر.
وقال رئيس شركة دواء حكومية، رفض ذكر اسمه، إن الاستثمار الحكومى فى الدواء تأثر بعد قرارات تحرير الجنيه ورفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه، التى تسببت فى زيادة تكاليف الإنتاج على الشركات، بعد أن شهدت تحسناً ملحوظاً فى العوائد بعد قرار تحريك الأسعار الأول فى مايو 2016.
وأوضح المصدر، أن قرابة 1000 مستحضر تنتجها الشركات الحكومية كانت تحقق خسائر كبرى قبل قرار تحريك الأسعار، تم حل أزمتها جميعاً فور صدور القرار، لكن القرارات الاقتصادية الأخيرة أعادت الأزمة مرة أخرى وأصبح لكل شركة حالياً أكثر من 50 أو 60 مستحضراً تحقق خسائر، أى قرابة 450 صنفاً.
وأضاف أن تشجيع الاستثمار المحلى، الخاص والحكومى، فى الدواء يتطلب من الحكومة إلغاء التسعيرة الجبرية بشكل سريع، وتطبيق قانون التأمين الصحى الشامل لحماية محدودى الدخل.
وتابع: «هذا المقترح سيضمن للشركات الاستمرارية فى إنتاج الأدوية دون خسائر، وسيعظم الاستثمار فى القطاع، دون أن يمس محدودى الدخل وغير القادرين على شراء الأدوية بالسعر الحر».
وقال أحمد عبدالغنى، محلل مالى بالقطاع الصحي، إن القطاع الدوائى لايزال يحتفظ بجاذبية استثمارية مرتفعة، فى ظل الزيادة السكانية الكبيرة التى تتجاوز 2.1% سنوياً، وارتفاع معدلات استهلاك الدواء.
واستهلك المصريون أدوية بقيمة تتجاوز 23.1 مليار جنيه خلال الشهور الـ6 الأولى من العام الجارى بنمو 26.8%، مقارنة بالفترة نفسها العام الماضى، وتتوقع غرفة الدواء أن تصل المبيعات الى أكثر من 50 ملياراً بنهاية العام.
وأوضح عبدالغنى، أن شركات الدواء تعانى من التسعير الجبرى بصورة بالغة، خاصة أن الفترة الماضية شهدت تغيرات فى أسعار العملة الأجنبية والمواد الخام ورواتب العمالة، وأن قرارات تحريك الأسعار لم تشمل كل المستحضرات.
ووصف تراجع الاستثمار فى القطاع الأشهر الماضية بالأمر الطبيعى فى ظل القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة والبنك المركزى، والتى أثرت على التكاليف، لكنه توقع أن يشهد عام 2018 حالة من الاستقرار تنعكس إيجابياً على القطاع.
وقال إن اتجاه الحكومة لإنشاء مصانع للمواد الخام سينعكس بالإيجاب على القطاع الذى يدبر 90% من احتياجاته عبر الاستيراد وستشجع الاستثمارات الجديدة، لكن لحين تحقيق ذلك لابد أن تلتزم الحكومة بالمراجعة الدورية لأسعار الدواء، وإعادة النظر فى المستحضرات التى تستحق الزيادة، وتشجيع التصدير لأفريقيا.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية



نرشح لك


https://alborsanews.com/2017/10/04/1055779