لفت انتباهى أثناء متابعة فاعليات القمة السنوية للسيارات إيجيبت اتوموتيف هذا الأسبوع .. مشاعر الحسرة والحزن فى كلمة رجل الأعمال الدكتور رؤوف غبور … فالرجل تحدث عن أهمية الصناعة للاقتصاد القومى وعن صناعة السيارات بصفة خاصة واندهاشه لعمليات المراوغة من جانب الحكومة فى عدم إصدار استراتيجية صناعة السيارات وكيف أن تأخير إصدارها حمل الدولة والمستثمرين خسائر كبيرة من استثمارات كان يمكن ضخها.
فهل يعقل أن تعجز الدولة عن إصدار استراتيجية لصناعة السيارات يتم الحديث عنها منذ ما يقرب من 4 سنوات؟
هل الأمر صعب لهذه الدرجة وهل هذه الاستراتيجية تتضمن مخاوف على الأمن القومى؟
وهل الدولة التى تتحدث عن جذب استثمارات أجنبية وتشجيع الصناعة المحلية وهى ذات الدولة التى أصدرت مؤخراً قانون التراخيص الصناعية لتيسر على المستثمرين إجراءات تأسيس مشروعاتهم .. ولكنها هى الدولة التى تعجز عن إصدار استراتيجية لصناعة السيارات تقول فيها هل هى فى حاجة إلى صناعة سيارات أم لا … كل هذه اللخبطة والتناقضات جعلت غبور يشبه ذلك بفيلم أرض النفاق للمبدع يوسف السباعى والقدير فؤاد المهندس.
فمن الواضح أن هناك فى الحكومة من يتناول حبوب الهلوسة وبعضها يتناول حبوب الصراحة فى وقت، وفى وقت آخر حبوب الكذب والنفاق.
والغريب اننا نتحدث عن استراتيجية لصناعة السيارات وهى صناعة ليست غريبة عنا بل كنا رواد فيها فى الستينيات، ولكن بسبب حبوب النفاق والهلوسة دمرنا هذه البدايات وسبقتنا الهند وكوريا اللتان بدأتا معنا والآن نحن نحاول اللحاق بتجربة المغرب وجنوب إفريقيا اللتان بدأتا الصناعة منذ سنوات قليلة.
نعم من حق الدكتور غبور أن يتحسر على حال الصناعة فى بلدنا، وأن يصرخ كرجل محب لبلاده ويقسم أنه لو لم يكن محباً لهذه البلد لعمل فى التجارة وهذا أربح له من الصناعة وتقبل إغراءات المغرب وتركيا للاستثمار لديهما.
ان كثيراً مثله يصرخون وينادون بضرورة النظر للصناعة وتشجيعها فلا تقدم بدون صناعة ولا صادرات بدون صناعة، انظروا ماذا يحدث حولنا، الدول تجذب المستثمرين بجميع الطرق حتى أن بعضها يرد له جزء من قيمة استثماراته والبعض الآخر يقدم له المشروع تسليم مفتاح بدون مقابل.
هكذا كانت أيضاً نهضة الصين وكوريا الجنوبية على سبيل المثال عندما شجعوا الصناعة ويسروا إقامة المشروعات ظهر المنتج الصينى والمنتج الكورى فى أسواق العالم.
فأين المنتج المصرى؟ هل لدينا سيارة مصرية أو غسالة مصرية أوتليفزيون مصرى أو سلاح مصرى؟
نحن نستورد %80 من غذائنا أى إننا نعتمد على الخارج فى طعامنا وملبسنا،لذلك لدينا فقر فى الموارد والإيرادات ومن الطبيعى أن نمد يدنا لصندوق النقد وغيره حتى بلغت الديون الخارجية المستحقة علينا نحو 79مليار دولار .
نعم لقد اتخذت الحكومة إجراءات اقتصادية مهمة تعد بمثابة قرارات حرب استطاعت بها الحكومة أن تمهد الطريق للاستثمار، ولكننا فى حاجة لقرارات أشبه بقرارات العبور فى الحرب 73 لتشجيع الصناعة بإتاحة الأراضى بأسعار مخفضة وتيسير إقامة مشروعات وتوفير تمويل للمصانع الجديدة ونسف البيروقراطية وإخضاع المصانع لجهة واحدة ولا نجعلها مشاعاً لأجهزة الدولة تستغلها بمسميات الرقابة وتحصيل الرسوم .
اتركوا القطاع الخاص يعمل لا تقيدوه واتركوا القطاع العام يعمل وحرروه من اللوائح والبيروقراطية العفنة، لا تصنعوا الفساد بقراراتكم، كونوا متسقين مع أنفسكم فكيف لدولة تبنى محطات نووية وهى لا تنتج فيشة الكهرباء وتستوردها من الصين؟
توقفوا عن إدمان حبوب الهلوسة وتناولوا حبوب الصراحة والوطنية قبل أن يذهب عقل هذه الأمة.