الشراكة الاقتصادية بين الصين والبرازيل.. عقد زواج يقلق واشنطن

تمثل موجة اهتمام الصين بالبرازيل، تغيراً كبيراً فى مسيرة بكين الاستثمارية.
فمنذ عام 2005، قدمت الصين أكثر من 140 مليار دولار، إلى دول أمريكا اللاتينية، إذ حصلت فنزويلا على ما يقرب من نصف هذا المبلغ.
ورغم ذلك، تنمو بكين بشكل متزايد بعيداً عن فنزويلا، والحلفاء التقليديين الآخرين فى المنطقة، ومنهم الإكوادور، ليتحول الاهتمام إلى بلدان ذات أسس مالية أكثر أمناً وإمكانيات استراتيجية أكبر لا سيما البرازيل.
ونقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، عن المؤيدين لهذه الشراكة الاقتصادية، أنها بمثابة عقد زواج بين قوتين اقتصاديتين ناشئتين، إذ تعد بكين قوة صناعية سريعة الانتشار والنمو، فى حين أن البرازيل تحوى بين جنباتها الموارد الزراعية والطبيعية.
وقال مارسيلو كاياث، الرئيس المشارك للخدمات المصرفية الاستثمارية لدى «كريدى سويس»، مؤسس شركة «كيو إم إس كابيتال» للاستثمار، إن الصين تمتلك رأس المال والدراية الفنية فى البنية التحتية، وتحتاج إلى ما تملكه البرازيل من المواد الخام والمواد الغذائية.
ولكن انتقد السياسيون البرازيليون، سياسة توسع الصين فى البلاد قبل الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها العام المقبل، فى وقت يثير فيه تعدى بكين على الفناء الخلفى للولايات المتحدة مخاوف واشنطن.
وقال الأستاذ فى معهد الدراسات الاستراتيجية الأمريكية، آر إيفان إليس، إن تشابك علاقة البرازيل بكل ثقلها الاقتصادى وتأثيرها فى المنطقة مع الصين، سيغير المشهد الاستراتيجى إلى حد كبير.
وكشفت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، تراجع الاستثمارات الصينية فى معظم دول العالم باستثناء البرازيل بنسبة 40% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، بعد أن بلغت ذروتها بقيمة 170 مليار دولار فى 2016 نتيجة حملة القمع التى شنتها بكين بشأن الاستثمارات الخارجية.
لكن الصورة كانت عكس ذلك بالنسبة لتعاملات الصين فى البرازيل.
وأوضحت شركة «ديلوجيك» المزود العالمى للبيانات والتحليلات لأسواق رأس المال، أن عمليات الاندماج والاستحواذ الصينية على الشركات البرازيلية بلغت قيمتها 10.8 مليار دولار منذ بداية العام وحتى الوقت الراهن، مقارنة بـ11.9 مليار دولار خلال العام الماضى بأكمله.
وأشار المحللون إلى أن زيادة الاستثمارات فى البرازيل بدأت عام 2010 كجزء من عمليات التوجيه بقيادة الدولة لزيادة الاستثمار فى الأمن الغذائى والطاقة من خلال عمليات الاستحواذ الصينية.
وقال أستاذ التجارة الدولية فى جامعة الأعمال الدولية والاقتصاد فى بكين، كوى فان، إن قطاعات منها الطاقة والتعدين والزراعة، لها مستقبل واعد ومكمل للاقتصاد الصينى، مضيفاً أن الاستثمار فى البرازيل يمكن أن يساعد الشركات الصينية أيضاً عى دفع الصادرات إلى الأمريكتين.
وأوضحت الصحيفة، أن البنوك الصينية المدعومة من الدولة التى تم إنشاؤها فى البرازيل خلال هذه الفترة، والمجموعات الاستثمارية، دعمت صندوق الصين والبرازيل الذى تبلغ قيمته 20 مليار دولار، وهو صندوق تديره بكين لتمويل مشاريع البنية التحتية التى تم إطلاقها رسمياً فى مايو 2014.
وقال المحلل لدى شركة «دياماريست» للمحاماة البرازيلية، تشانغ جون، إن استثمارات الحكومة البرازيلية حالياً بطيئة، مضيفاً أن الصين لديها ميزة رأس المال والتكنولوجيا والقدرة على البناء.
وكشف المحامون والمصرفيون، أن عملية التوسع فى الاستثمارات بدأت العام الماضى. وبدلاً من التركيز على الأهداف الجيوستراتيجية الضيقة، بدأت الشركات الصينية، اليوم، تتصرف مثل الشركات متعددة الجنسيات التقليدية، وتبحث عن عوائد تنافسية، وتستثمر بانتهازية عبر مجموعة واسعة من الصناعات.
وقال عضو مكتب محاماة «وزينى فرير» فى ساو باولو، رينالدو غوانغ روما، إن الصينيين لديهم الكثير من المال، وسيشترون أى شىء.
وأوضح المحللون، أن الموجة الأخيرة من الاستثمارات الصينية عززت، أيضاً، تحقيقات الفساد التى اجتاحت البرازيل الفترة الماضية.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن هذه الحملة تسببت فى تسجيل البرازيل أسوأ ركود فى البلاد عبر التاريخ.
ومن أجل دعم الموازنة العامة للدولة، تقوم حكومة الرئيس ميشيل تامر، بخصخصة أصول تتراوح بين شركات الطاقة الكهرومائية وحتى الثروات الوطنية من الموانئ والطرق السريعة إلى المطارات والسكك الحديدية.
وقال أوليفر ستينكل، أستاذ العلاقات الدولية فى مؤسسة «جيتوليو فارغاس» فى ساو باولو، إن البرازيل مكان مريح للعمل، خصوصاً أن الاستثمارات موجهة على المدى الطويل.
وأضاف أن الصين تعلم أن أساسيات اقتصاد دولة مثل فنزويلا قد تحطمت، وأن هناك انخفاضاً لا رجعة فيه على المدى الطويل، لذلك لا يريدون وضع بيضهم فى السلة الفنزويلية.
وفى الوقت الحالى، لا تواجه الشركات الصينية فى البرازيل نفس المقاومة السياسية لاستثماراتها، كما هو الحال فى بلدان أخرى، مثل أستراليا إذ تم منعها من شراء بعض الأراضى الزراعية.
ومع ذلك، فإن الانتخابات التى تلوح فى الأفق فى البرازيل العام المقبل، قد تمنع استمرار هذا الوضع الحميد من العلاقة، إذ أعلن السياسى اليمينى المتطرف والمرشح الرئاسى جاير بولسونارو، أن ما نحتاجه هو أن ندرك أن الصين لا تقوم بالشراء فى البرازيل، ولكنها تشترى البرازيل.
وقالت مديرة شركة «فاليا» الاستشارية، لاريسا واشولز، التى تجلب المستثمرين الصينيين لسوق البرازيل: «منذ اللحظة التى يبدأ فيها الصينيون الدخول فى مناطق استراتيجية بشكل كبير سيتعين عليهم التفكير فى العلاقات العامة الاستراتيجية؛ لأنهم بدأوا جذب انتباه الناس الذين لا يحبون ذلك».
وأوضح المحللون، أن البرازيل قد تحتاج إلى البدء فى إخضاع الصفقات التى تشمل الشركات الصينية المملوكة للدولة لمزيد من التدقيق على غرار المراجعات الأمنية التى أجرتها اللجنة الأمريكية للاستثمار الأجنبى العام الحالى، مؤكدين أن حجم الاستثمارات يمكن أن يقوض رغبة برازيليا فى توجيه انتقاد صريح لحكومة بكين.