بقلم: رنا فوروهار
كاتبة مقالات رأى بشأن الاقتصاد العالمى، ومحللة اقتصادية فى شبكة «سى إن إن»
حرك قطاع التكنولوجيا، الأسواق العالمية، خلال العام الحالى، والآن يبدو أنه يقود قطاع الصفقات والقرارات التنظيمية كذلك.
فإذا نظرنا إلى صفقة شراء «ديزنى» لأصول «21 سينشرى فوكس» بقيمة 66 مليار دولار، أو عرض شراء «إيه تى آند تى» لـ«تايم وارنر»، سنجد أن الصفقتين تمثلان ردود أفعال لقوة «نتفليكس» و«أمازون».
وسنجد أن صفقة شركة الأدوية «سى فى أس» وشركة التأمين الطبى «ايتنا» تقاوم نمو أمازون فى سوق الأدوية، وكذلك دخول «جوجل» المتوقع لقطاع الرعاية الصحية.
ويمكننا أيضاً أن ننظر إلى قرار لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية أوائل الشهر الحالى، بتقليص قواعد «حيادية النت»، وهو المبدأ الذى ينص على أن مقدمى خدمات الإنترنت ينبغى أن يعاملوا جميع رواد الإنترنت بالمعاملة نفسها.
وقال رئيس اللجنة، أجيب باى، إنه هذا القرار بمثابة خطوة إلى الوراء لتشديد التنظيمات «الخفيفة» على الشركات التكنولوجية، كما أنه يتعلق بتغيير ميزان القوى بين قطاعى التكنولوجيا والاتصالات من خلال السماح لمقدمى خدمات الانترنت مثل «أيه تى آند تى»، و«فيرايزون»، و«سبرينت»، و«تى موبايل» بفرض رسوم على شركات المنصات الغنية بالنقدية، لكى يتمكنوا من تقديم خدمة انترنت أفضل لزائريهم.
وكل ذلك يشير إلى القوة الهائلة لما يسمى بشركات «فانج»،وهى «فيسبوك»، و«أمازون»، و«نيتفلكس»، و«جوجل» والتى لا تهيمن فحسب على الأعمال الرقمية وإنما الاقتصاد ككل، وحالياً تقبع 80% من ثروة الشركات فى 10% من الشركات الغنية بالملكية الفكرية، وبالطبع هذا الرباعى هو الأغنى بالملكية الفكرية، وفقاً لمعهد «ماكينزي» العالمى.
ونمت قوة الرباعى بسرعة كبيرة، وتغيرت كثيراً لدرجة أنها بثت إعادة التفكير فى كل شىء، بدءاً من سياسة الاحتكار إلى القواعد التى تحكم الإنترنت لأكثر من 20 عاماً، كما أنها تجبر الليبراليين والمحافظين على حد سواء، على الصدام بمواقفهم السياسية التقليدية.
فعلى سبيل المثال يلخص مصطلح «حيادية الإنترنت» الذى اقترحه الأكاديمى، تيم وو، فى اوائل الألفية الحالية، فكرة ان الجميع ( الغنى والفقير، والشركات الناشئة ومتعددة الجنسيات ) ينبغى أن يتمكنوا من استخدام الإنترنت على قدم المساواة.
ودعم الليبراليون فى الولايات المتحدة الفكرة لأسباب تتعلق بالمساواة الاجتماعية، ولكن جادل بعض المحافظين وبعض أعضاء مجتمع الأعمال بأن هذا تشريع مشوه يحرم مقدمى خدمات الانترنت من جنى الأرباح من استثماراتهم فى «البرودباند» وهى وجهة نظر منصف.
فبعد كل شىء، تحقق شركات الاتصالات التى تبنى الطريق الرقمى السريع فى القرن الحادى والعشرين، هوامش أرباح مكونة من رقم فردى، فى حين شركات أمثال «جوجل» و«فيسبوك» تجنى هوامش أرباح مكونة من رقمين مرتفعين.
وتعد شركات المنصات الإلكترونية الكبيرة، الأكبر استفادة من حيادية الانترنت، وحتى الآن لعبت هذه الشركات بالمجادلات الاجتماعية والاقتصادية لصالحها، وأكدت هى وغيرها من المؤيدين لحيادية الإنترنت – بما فى ذلك الشركات الناشئة القلقة من أن يعصف بها اللاعبون الأكبر ذوى المحافظ القوية التى تمكنهم من الدفع لتوصيل البيانات أسرع – أن إعطاء مزيد من القوى لمقدمى خدمات الانترنت، سيطيح بالابتكار، ويعاقب الشركات الصغيرة على نحو غير عادل، ومع ذلك يجادل بعض النقاد، ان شركات «الفانج» الأربع نفسها خطر أكبر على الابتكار من شركات الاتصالات، وهذا يعود بقدر كبير إلى التأثيرات التى تجعلهم احتكاريين بطبيعتهم.
وتعد عملة العصر الرقمى هى البيانات، وقيمتها تنمو بقدر هائل، وهذا يسمح للاعبين الأكبر بأن يصبحوا أكثر هيمنة من ذى قبل وأكثر قدرة على اكتساح المنافسة بطرق كثيرة سواء كانت الاستحواذ على أى شركة تقترب من نموذج أعمالهم الأساسى أو من خلال «التعدى الفعال» على الملكية الفكرية للمنافسين.
وتشتكى قطاعات أخرى من أن «الفانج»، يتمتعون بإعفاءات تنظيمية غير عادلة بسبب الثغرات فى المادة 230 من قانون أخلاقيات الاتصالات الأمريكى، وعادة ينتج عن القوة الاقتصادية نفوذ سياسى وهذا هو سبب نجاح الرباعى حتى الآن فى واشنطن فى قتالهم ضد مجهودات سد هذه الثغرات، وغيرها من محاولات جعل نموذج أعمالهم أكثر شفافية ونزاهة.
ومن يضيع وسط كل ذلك هو المستهلك الأمريكى، فحتى إذا كانت للولايات المتحدة، حكومة حريصة على تطبيق سياسات مكافحة للاحتكار موجهة للنماذج القديمة التى لا تعالج مشكلات العصر الرقمى، فإن ذلك لن يجعل قواعد اللعب عادلة للجميع.
وفى الوقت نفسه، فإن عدم حيادية الإنترنت لن تؤذى الرباعى الأمريكى لأن بإمكانهم بسهولة دفع أى رسوم يقرر مقدمى خدمات الإنترنت فرضها، لذا فإن ما نحتاج إليه هو تطبيق عادل وقوى لقواعد المنافسة، وهو ما يعنى على الأرجح ابتكار قواعد جديدة.
إعداد/ رحمة عبدالعزيز
المصدر/ صحيفة «الفاينانشيال تايمز»