بقلم/ سيرجس جيوريف
كبير الاقتصاديين فى البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية
بعد عشر سنوات من الأزمة المالية العالمية، يتمتع الاقتصاد العالمى أخيراً بتعافى واسع النطاق.
وأوروبا وجيرانها، ليسوا استثناء، فقد تسارع النمو الاقتصادى فى كل دولة تقريبًا فى وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإضافة إلى روسيا وتركيا، ومن المتوقع أن يظل النمو قويا، ومع ذلك تلوح التحديات فى الأفق، وإذا لم يتم معالجتها، سوف تتأثر آفاق هذه المنطقة بالسلب.
وأوضح تقرير أعده بنك إعادة التعمير والتنمية الأوروبي، أنه قبل الركود الكبير، كان أداء دول أوروبا وجيرانها بطول حدودها يتفوق على نظيراتها من الأسواق الناشئة فى الأماكن الأخرى، ومع ذلك، انقلبت الأمور فى السنوات الأخيرة وتتسع الفجوة.
وتفسير هذا التحول واضح، ففى السابق، تمتعت أوروبا وجيرانها بإنتاجية مصانع إجمالية مرتفعة، وإذا استثنينا الكثير من أوجه القصور الموروثة من ماضيهم الاشتراكي، أو الذى تسيطر عليه الحكومة، فسنجد أن هذه الدول كانت تستغل رؤوس أموالها وعمالتها الاستغلال الصحيح.
ومع ذلك، بحلول عام 2009، تراجع الاستثمار فى رأس المال الثابت دون المستويات فى الاقتصادات الناشئة الأخرى، وفى مواجهة الكميات الهائلة من القروض المعدومة الموروثة من الأزمة، حولت هذه الدول تركيزها إلى تقليص معدلات الاستدانة، وتركت الاستثمار وإنتاج المصانع ليركد.
ولا يمكن للدول فى أوروبا وجيرانها – حتى هؤلاء الذين تعد اقتصاداتهم أقل تطوراً – بناء نموهم على المدى البعيد على الميزة التنافسية لانخفاض الأجور، بل ينبغى عليهم وضع أساسات نماذج النمو المستقبلية المدعومة برأس المال البشرى الأقوى والابتكار.
وبداية، هذا يتطلب تكاملاً أكبر فى الاقتصاد العالمي، وحاليا، الوصول لأسواق أكبر يعد أمراً حيويًا لتوليد حوافز للابتكار ونمو الإنتاجية.
وعلى ما يبدو، تستفيد دول الاتحاد الأوروبى من السوق الموحد، وبالنسبة لأوروبا الناشئة، والدول فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «مينا»، فإن الاستفادة من اقتصاديات الحجم سوف تتطلب تخفيض الحواجز التجارية وتحسين التواصل.
وهذا يعنى بمصطلحات ملموسة أن أوروبا الناشئة ومنطقة مينا تحتاج إلى استثمار أكثر فى البنية التحتية، ويقدر تقرير البنك الأوروبى أن احتياجات الاستثمار فى البنية التحتية فى هذه المنطقة تصل إلى حوالى 2.2 تريليون يورو أو 2.6 تريليون دولار، ولمقابلة هذه الاحتياجات، تحتاج الدول المقيدة ماليًا أن تحشد مواردها الخاصة من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
ويقلق اللاعبون فى الدول المتقدمة من أن الاستثمارات فى البنية التحتية فى الاقتصادات الناشئة قد تؤدى إلى «طرق نحو المجهول»، نظرًا لأن الأموال سيتم توجيهها إلى مناطق بعيدة، حيث لا يعيش أحد أو يرغب سكانها فى مغادرتها، وسيستخدمون هذه الطرق اللامعة لمغادرتها، ولكن لا ينبغى أن يكون الأمر كذلك.
وتقدم تركيا مثالاً فى هذا الصدد.
ففى 2002، أطلقت الدولة مبادرة كبيرة لتحويل 25% من شبكة طرقها إلى طرق ثنائية الحارات على مدار 10 سنوات، وأظهر تحليل تقرير البنك الأوروبى أن هذا الاستثمار كان له تأثير هائل على التجارة المحلية وخلق وظائف فى المناطق الشرقية للدولة والتى كانت أقل تطوراً، ويتعين على الدول أن تتعلم من هذه النجاحات عندما يحاولون جذب التمويلات لمشروعاتهم الخاصة.
وتصميم استراتيجيات فعالة للاستثمار طويل الأجل فى البنية التحتية يتطلب انتباها لمجال رئيسى آخر، وهو البيئة، ويتعين على الدول توقع التغييرات التنظيمية التى سوف تظهر فى الوقت الذى يحاولون فيه مقابلة التزاماتهم بموجب اتفاق باريس للمناخ.
والأهم من ذلك، أننا وجدنا أن الشركات ذات الحصة الأكبر من الإيرادات النظيفة لديها تقييمات أعلى فى سوق الأسهم (نسبة الربحية للسعر)، رغم أن العائد على الأسهم أقل من نظرائهم غير النظيفيين، وهذا يشير إلى أن المستثمرين ينبغى أن يتوقعوا نمواً أقوى فى القطاعات الأنظف فى السوق، أو على الأقل يجذبون المزيد من القيمة لدعم الشركات الأكثر نظافة.
وفى الدول التى يسعر فيها الوقود الأحفورى بشكل صحيح، تدرك الشركات فوائد التكنولوجيات الأكثر نظافة والأكفء فى استهلاك الوقود، ولسوء الحظ لا تزال العديد من الدول لديها دعم طاقة كبيرة، والذى يجب التخلص منه لدفع التحول نحو اقتصاد نظيف، ولضمان أن الأسر الأكثر حاجة لن تعانى، يمكن تعويض إزالة الدعم عن الوقود من خلال مساعدة موجهة مثلما حدث مؤخراً فى بيلاروس ومصر وأوكرانيا.
وينبغى أن يتضمن نموذج النمو الجديد لجيران أوروبا إعادة التوازن للنظام المالى، فبالنظر إلى ميراث الركود الكبير من القروض المعدومة، فإن تمويل المشروعات الجديدة سوف يأتى على الأرجح من الأسهم وليس من السندات، ولحسن الحظ، فإن المستثمرين فى الأسهم عادة ما يميلون للاستثمار طويل الأجل، ويرغبون بشكل متزايد فى شراء الأصول النظيفة.
ومع ذلك، فإن الاعتماد الأكبر على التمويل من الأسهم سوف يتطلب إدارة أفضل للحكومات والشركات، تدعمها سيادة القانون، وتحقيق ذلك ليس عملا سهلا، ولكن بحث البنك الأوروبى يتضمن أنه على الأقل بالنسبة لجيران أوروبا سوف يفيد التقدم ليس فقط الاقتصاد ولكن أيضا البيئة والمجتمع ككل، وبالتالى، فإن هذ الاستثمار يستحق القيام به.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع «بروجكت سينديكيت»