
بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادى لمجموعة «أليانز»
ركز كثير من تقييمات الأسواق المالية فى عام 2017، بشكل مفهوم على النتائج المحببة والمبهرة من الأسهم والأصول الخطيرة الأخرى.
ومع ذلك، من الجدير بالملاحظة، هو ما لم يحدث فى هذا العام وبشكل خاص 9 أحداث، أدى عدم حدوثها إلى جعل الاثنى عشر شهراً الماضية استثنائية للعديد من المستثمرين، الكبار منهم والصغار.
وجاءت العائدات الإجمالية الوفيرة، بما فى ذلك مكاسب «داو جونز» الصناعى بنسبة 25%، و«ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 19%، فى بيئة تتسم بانخفاض شديد فى التقلبات.
وسجل مؤشر «فيكس» للتقلبات 9 من 10 أدنى مستويات له العام الماضى.
وصاحب سلسلة الارتفاعات القياسية خلال العام، حظى مؤشر «داو جونز» وحده بـ71 ارتفاعاً قياسياً، حلقات قليلة للغاية من التراجع فى الأسواق، وفى المرات النادرة التى حدث فيها ذلك، كان الهبوط محدود الحجم والمدة والمدى.
وبشكل عام، ارتفع مؤشر «داو» لتسعة أشهر متتالية، وهى أطول مدة صعود منذ 1959. وقدم مؤشر «ستاندرد آند بورز» عائدات إيجابية فى كل شهر من العام، ولم يقتصر الأداء القوى للأسهم على الولايات المتحدة فقط، فقد كان أداء بعض الأسواق العالمية أفضل، بما فى ذلك العائد بنسبة 40% على أسهم هونج كونج، بالإضافة إلى العائد بنسبة 24% على مؤشر «إم إس سى آى» لكل دول العالم باستثناء الولايات المتحدة.
وأنهى العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، العام عند 2.41%، أى أقل بمقدار 4 نقاط أساس من بداية العام، وبالنظر إلى الأداء القوى للأسهم العالمية، ليس هذا بالتأكيد الأداء المتوقع من «الأصول الخالية من المخاطر».
وبالإضافة إلى القائمة الطويلة من الأحداث المفضلة التى حدثت فى 2017، من الجدير النظر إلى ما لم يحدث، هذا إذا كان الهدف التطلع إلى عام 2018.
وفى هذا الشأن هناك 9 أمور ينبغى ذكرها.
الأول: عدم ارتكاب «الفيدرالى» أخطاء سياسية
اتخذ «الاحتياطى الفيدرالى» خطوات مهمة لتطبيع السياسة النقدية دون قلقلة الأسواق أو إعاقة النمو الاقتصادى.
ورغم أن التدابير الفضفاضة التى واصلت البنوك المركزية الأخرى تطبيقها، وخصوصاً المركزيين اليابانى والأوروبى، ساعدت «الفيدرالى» إلى حد ما، فإن المديح واجب للتخطيط الحذر، والاستجابة السياسية المحسوبة لصناع السياسة الأمريكيين.
الثانى: عدم حدوث اضطرابات دائمة للتجارة
فرغم مخاوف البعض، لم تترك حكومة «ترامب» اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، ولم تعلن الصين متلاعباً بالعملة، أو تلغى مواثيق التجارة الحرة مع دول مثل كوريا الجنوبية.
ورغم أنها تركت بالفعل مفاوضات الشراكة عبر الهادى، فإن هذا الاتفاق لم يكن مكتملاً، ولم يكن له أى تأثير على التجارة.
وبدلاً من الخروج من اتفاقات الشراكة الحالية، حثت الولايات المتحدة شركاءها على السعى وراء ممارسات تجارية دولية أكثر نزاهة.
الثالث: عدم ارتفاع التضخم
فرغم التراجع الحاد فى معدل البطالة، لم يحدث أى نمو ذى معنى فى الأجور والتضخم، وحيَّر هذا النقص فى الضغوط السعرية الكثير من الاقتصاديين، وخالف التوقعات التاريخية، وحفَّز استجابة سوقية تتماشى مع فكرة النمو الاقتصادى «الأمثل»، واحتوى مخاوف السوق من التشديد الزائد للسياسة النقدية من قبل الفيدرالى،
الرابع: عدم وقوع موجة بيع فى السندات الحكومية الأمريكية
كان نقص الضغوط التضخمية أحد العوامل التى ساعدت على تفسير تحدى سوق السندات الحكومى للتوقعات مجدداً، وساعد استمرار انخفاض واستقرار العائدات على ارتفاع شهية تحمل المخاطر.
الخامس: عدم ارتفاع قيمة الدولار
فبعد الارتفاع الملحوظ فى بداية عام 2017، وما نتج عنه من تصريحات تحذيرية من قبل الرئيس دونالد ترامب بشأن القوة المفرطة للعملة، ظل الدولار ضعيفاً نسبياً طوال العام، رغم رفع الفيدرالى الفائدة، وتبنى الولايات المتحدة سياسات داعمة للنمو، وتوسع النمو الاقتصادى، وتمرير قانون الضرائب، وهو ما سيشجع الشركات على استقدام أرباحها المودعة بالخارج.
السادس: عدم تعرض »البيتكوين« لحملة تنظيمية
رغم قلق البعض من أن الارتفاع التاريخى لأسعار »البيتكوين«، كان بمثابة فقاعة ستنفجر بالأخير، وتضر المستثمرين الصغار على الأغلب، لم يكن هناك أى صدام تنظيمى مع هذه الظاهرة التى يعتقد البعض أنها تعزز النشاطات غير القانونية.
السابع: عدم انتقال عدوى من بورتوريكو أو فنزويلا
رغم فشل بورتوريكو وفنزويلا فى سداد الدفعات المتعاقد عليها على سنداتهما، لم يخلق أى حدث عدوى فى فئة أصول الأسواق الناشئة أو السندات البلدية، وتعامل المستثمرون مع الحدثين بأنهم منفصلان، ولا يشكلان أى تهديد بآثار معاكسة.
الثامن: لم تتعرض الأسواق لصدمة جيوسياسية
واصلت كوريا الشمالية تهديداتها الصريحة بالهجوم النووى، خلال معظم 2017، بما فى ذلك فى ليلة رأس السنة، ومع ذلك تجاهلت الأسواق التهديد خلال معظم العام.
أخيراً: عدم تفكك منظمة الأوبك
فرغم الضغوط منذ بداية العام؛ بسبب تراجع أسعار البترول، والتوترات داخل دول مجلس التعاون الخليجى نتيجة الخلاف مع قطر، والحروب بالوكالة بين إيران والسعودية، لم يتآكل الانضباط التشغيلى لمنظمة الأوبك، بل على العكس أصبح أكثر قوة.
وعدم تحقق هذه الأحداث التسعة ساهم فى الأداء السنوى القوى للأصول الخطرة، وبعد انقضاء عام عظيم، يتعين على المستثمرين الآن تقييم استمرارية هذا الخليط غير التقليدى من الأحداث التى حدثت والتى لم تحدث.
وعام سعيد على الجميع وأفضل أمنياتى بعام سعيد وقوى وناجح.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء »بلومبرج»