اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 68:
قرأنا مؤخرا فى تقرير صندوق النقد الدولى فى تقريره للمراجعة الثانية لبرنامج الإصلاح (التى تمت فى ديسمبر 2017) الذى تنفذه الحكومة المصرية بضرورة إفساح المجال أمام القطاع الخاص من أجل الاستثمار والنمو، وتقليل دور الدولة «البارز» فى الأنشطة الاقتصادية..وتبنى ما يطلق عليه gradual strategy exit؛ لأن القطاع الخاص هو المحرك الأساسى للنمو.. والأكثر توليدا لفرص العمل واستيعابا للعمالة.. كما أن تزايد دور الدولة فى الأنشطة الاقتصادية يعد مزاحمة للقطاع الخاص ويقوض من أسس المنافسة السليمة والصحية لأى اقتصاد..
فالدولة تحتاج إلى توليد مليون فرصة عمل سنويا للحفاظ على معدلات البطالة الحالية، أما إذا رغبت فى تقليل معدل البطالة فإن الاحتياج سيكون من مليون ونصف المليون إلى 2 مليون فرصة عمل سنويا..وهذا لن يأتى إلا من خلال نمو القطاع الخاص ورفع معدلات الإنتاج والتشغيل.. أى مزيد من التوسعات ومزيد من الاستثمارات.. ينبغى أن ترتفع نسبة الاستثمارات الخاصة إلى 70% من إجمالى الاستثمار (العام والخاص)، وأن تصل معدلات الاستثمار الأجنبى المباشر إلى 25-30% من الناتج المحلى الإجمالى..
فكلما زادت حركة الإنتاج والاستثمار والتجارة من قبل القطاع الخاص إلى معدلات مرتفعة سترتفع معها حصيلة إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم، وكلما أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات النمو… ولا بديل عن الاستثمار كمحرك رئيسى لعجلة النمو خلال افترة القادمة.. فى ظل ضعف موارد الدولة وانخفاض مساحة المناورة فيها حيث تبلغ الالتزامات ما بين دعم وفوائد دين واجور ومرتبات اكثر من 70%.. وهو أمر يجعل من الاستثمار أمرا حيويا لا رفاهية فيه.. بل يجب أن تتكاتف جميع أجهزة الدولة من أجل هذا الهدف.. وتقليل عجز بالموازنة من خلال زيادة الاستثمار.. الذى سيؤدى بآثاره المباشرة وغير المباشرة على تقليل عجز الموازنة فى النهاية وهو الأمر الذى يشغل بال الدولة..
ولتكتفى الدولة بدور المنظم والرقيب والاهتمام بالقطاعات الاستراتيجية وتحسين الخدمات… حتى هذه يمكن للدولة أن تشجيع القطاع الخاص على الدخول فيها لتحسين جودة المرافق والخدمات.. مثلما حدث مع سيمنس فى قطاع الكهرباء.. سواء من خلال نماذج الشراكة بين القطاع العام والخاص بمختلف أشكالها مثل PPP أو المشاركة بالعائد revenue sharing.. أو طرح المشروعات للقطاع الخاصة لتنفيذها وإداراتها مقابل عائد تحصل عليه الحكومة، أو من خلال اللجوء إلى تمويل المشروعات من القطاع الخاص لاسيما صناديق الاستثمار القطاعية سواء المهتمة بالتعليم أو الصحة او البنية الأساسية.. كذلك توجيه المنح والمعونات والقروض للمشروعات أو الشركة بمشروعات متعددة..
ويجب النظر مره أخرى إلى قضية خصخصة الخدمات (وهو أمر متبع فى العديد من الدول النامية والمتقدمة على السواء) ولا أقصد هنا البيع –والبيع هو أحد الصور لا كلها وليس به عيب إذا ما تم بشكل جيد- وإنما إدارة مشروعات الدولة الخدمية كخدمات المطار، وخدمات السياحة.. وخصخصة الموارد البشرية بتعيين الكفاءات من القطاع الخاصة فى إدارة مشروعات الدولة.. كما يمكن استخدام الاكتتابات العامة كأداة للتمويل المنخفض التكاليف ورفع كفاءة الشركات الحكومية ورفع مستوى الحوكمة والشفافية فيها.. وفى شأن الاكتتابات عليها أن تعد الشركة من خلال دراسات تشخيصية وتقييمية لها قبل الطرح.. واختيار المروج والتوقيت الجيد للطرح.. لأن نجاح الاكتتبابات سيولد موارد مالية جيدة.. كذلك هناك أصول كثيرة غير مستغلة لدى الدولة ويجب استغلالها جيدا بطرحها على القطاع الخاص كفرص استثمارية، حيث إن الاستغلال الجيد لها سيولد موارد جيدة للدولة..
كما ينبغى إعادة النظر فى معدلات الفائدة المرتفعة والنزول بها تدريجيا لأن أحد معوقات التمويل اللازم للاستثمار فمعدلات الفائدة الحالية مرتفعة جدا وأدت إلى ارتفاع تكلفة التمويل البنكى وينطبق ذلك على التأجير التمويلى وإعادة جدولة مديونيات الشركات لدى الجهات الحكومية لأنه ينظر إلى معدلات الفائدة المرتفعة فى جدولة الديون أو المخالفات أو المتأخرات على الشركات وهو ما يكبلها بتكلفة مرتفعة تكلفة على استثماراتها..
إعادة النظر فى مناخ الاستثمار وإجراءاته وتتشريعاته أمر مهم، فهناك قوانين مكملة لقانون الاستثمار والإفلاس والتراخيص الصناعية التى صدرت مثل قوانين المحليات، وقانون تنمية سيناء.. إلخ.. هناك قضايا تتعلق بالبيروقراطية وتحسين منظمة الإدارة الضريبية والجمركية والحد من الفساد وهذا لن يتأتى إلى بمكينة كافة الخدمات الحكومية.. إلى جانب الحفاظ على مكاسب الاستقرار السياسى والأمنى.
ونحن على موعد الانتخابات الرئاسية فى مارس – أبريل 2018.. يأتى استكمال بناء الدولة وتحسين الاقتصاد ووضع المواطن والخدمات التى تقدم له وتكاتف كل أجهزة الدولة لتشجيع وتنمية الاستثمار والترويج له محليا ودوليا على سلم الأولويات.. وعلى الأجهزة الاقتصادية مراجعة سياساتها المالية والنقدية والاستثمارية وكذلك الخدمية.. لتواكب هذه الأولويات..
وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية