
هل يشهد القطاع المصرفى حقبة جديدة من التطوير فى أداء الخدمات المصرفية من خلال البنوك الرقمية؟ هل التوسع فى الاستثمار فى التكنولوجيا المالية والتكنولوجيا الحديثة مدعومة بثورة الاتصالات سوف تنقل شريحة كبيرة من عملاء البنوك والمستفيدين من الخدمات المصرفية إلى آفاق واسعة غير تقليدية تضفى مزيدا من الكفاءة والسرعة فى التنفيذ والراحة للعملاء فى تنفيذ معاملاتهم؟ الجواب باختصار هو نعم. لذلك اسمحوا لى أن أوضح فى الفقرات التالية ما هو المقصود من الخدمات المصرفية الرقمية، بمناسبة تصريح السيد محافظ البنك المركزى المصرى فى كلمته أمام مؤتمر التكنولوجيا المالية.
الخدمات المصرفية الرقمية هى الانتقال إلى تقديم الخدمات المصرفية التقليدية عبر الإنترنت و التى كانت متاحة فقط للعملاء من خلال وجودهم داخل فرع البنك لطلب الحصول على الخدمة. ويشمل ذلك خدمات مثل إيداع الأموال، والسحب، والتحويلات، وخدمات إدارة الحساب، والتقدم بطلب للحصول على المنتجات والخدمات المالية مثل القروض، وبطاقات الائتمان وربط الودائع ودفع الفواتير وغيرها.
من الملاحظ أن أفضليات مستخدمى الخدمات المالية تغيرت بسرعة كبيرة إلى التعامل عبر الإنترنت وأجهزة التليفونات الذكية. بالإضافة إلى ذلك، فى السنوات الماضية لم تكن البنوك تتصور التحول الهائل فى سلوك العملاء الذى حدث نتيجة جيل جديد يتعامل بكثافة ومهارة كبيرة مع الإنترنيت والتطبيقات الإلكترونية الحديثة حتى أصبحوا الآن أكبر مستهلك للمنتجات المالية.
ولكن هل هناك فرق بين الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والخدمات المصرفية الرقمية؟ فى معظم الأحيان، هاتان الكلمتان مترادفتان. يكمن الفرق فى أن الخدمات المصرفية عبر الإنترنت تركز فى المقام الأول على تحويل الأموال، ودفع الفواتير، وتنفيذ التعليمات الأساسية لتشغيل الحسابات عبر الإنترنيت. لذلك، تركز الخدمات المصرفية عبر الإنترنت على رقمنة الجوانب «الأساسية» من الخدمات المصرفية، بينما تشمل الخدمات المصرفية الرقمية رقمنة كل العمليات والبرامج والأنشطة التى تؤديها البنوك وكذلك عملاؤها.
وبعبارة أخرى، فى البنوك الرقمية يتم أداء جميع أعمال المستويات الوظيفية اللازمة لتسيير العمل فى جميع منصات تقديم الخدمات. فهى تؤدى نفس الوظائف التى تتم فى المركز الرئيسى، والفروع، والخدمة عبر الإنترنت، والبطاقات المصرفية، وأجهزة الصراف الآلى ونقاط البيع.
هناك سبب آخر لاعتبار أن الخدمات المصرفية الرقمية هى أكثر من مجرد منصة إلكترونية تستخدم الإنترنت. يرجع ذلك إلى استخدام البرمجيات الوسيطة middleware solutions وهى البرمجيات التى تربط أنظمة التشغيل أو قواعد البيانات مع التطبيقات الأخرى التى يستخدمها البنك. ولكى يتم اعتبار أن البنك بالفعل يعمل كبنك رقمى، يجب تضمين الأنشطة التى تنفذ فى إدارات الدعم التقليدية مثل إدارة المخاطر، وتطوير المنتجات والتسويق، فى أطراف المنظومة الإلكترونية.
يرجع تاريخ أقدم أشكال الخدمات المصرفية الرقمية إلى ظهور أجهزة الصراف الآلى والبطاقات التى أطلقت فى الستينيات. ومع ظهور الإنترنت فى الثمانينيات من القرن العشرين، بدأت الشبكات الرقمية فى ربط تجار التجزئة بالموردين والمستهلكين.
وبحلول التسعينيات ومع ظهور الإنترنت بدأ انتشار استخدام الخدمات المصرفية عبر الإنترنت حتى أصبحت واسعة الاستخدام. وأدى تحسين أنظمة الاتصالات والتجارة الإلكترونية فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين إلى ما يشبه العالم المصرفى الرقمى الحديث اليوم. وقد فتح انتشار التليفونات الذكية خلال العشر سنوات الماضية الباب أمام المعاملات أبعد بكثير من نطاق الخدمات المتاحة من خلال أجهزة الصراف الآلى، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 60% من المتعاملين الآن يستخدموا التليفونات الذكية باعتبارها الطريقة المفضلة للخدمات المصرفية الرقمية.
وبينما نتحدث عن تأسيس بنوك رقمية فى مصر، تجدر الإشارة إلى التحديات وتجارب الدول فى هذا المجال. قام البنك المركزى الأيرلندى فى أكتوبر الماضى، بالسماح لشركة «فيسبوك لدولية المحدودة» بتقديم خدمات الدفع الرقمى وأصبحت بموجب هذا الترخيص لها الحق فى تقديم الخدمات المالية الأساسية مثل التحويلات المالية الإلكترونية لجميع مواطنى الاتحاد الأوروبى. وبالفعل مكنت فيسبوك مستخدميها من تحويل الأموال إلى بعضهم البعض فى تطبيق ماسنجر، وهى بصدد إتاحة التحويلات المالية للشركات.
هكذا ستصبح مستقبلا الشركات العملاقة مثل جوجل و أمازون وفيسبوك منافس شرس للبنوك التقليدية فى تقديم الخدمات المالية التى كانت حكرا على البنوك، لدرجة أن البنوك الكبرى أصبحت قلقة من الخطر المحدق بها. ويتوقع أن تصبح الخدمات المالية جذابة لشركات التكنولوجيا لتقوم بمنافسة البنوك فى تقديم تلك الخدمات. فعلى سبيل المثال، تقدم أمازون القروض لصغار التجار، ويقوم موقع “باى بال” موقع “على بابا” تدريجيا بتطوير الخدمات لكى يصبحوا قريبا بنوك رقمية.
ويشكل الأمن الإلكترونى تحديا كبيرا أمام البنوك الرقمية، ويمكن أن يؤدى إلى انعدام الثقة فى سلامة التكنولوجيا الرقمية وأمنها. كما أن غياب القواعد التنظيمية والتشريعات الملائمة تشكل عائقا هاما فى تنظيم أعمال البنوك الرقمية.
ومع التقدم الكبير فى استخدام الإنترنيت والهواتف الذكية والتطبيقات النكنولوجية الحديثة، لا مفر من أن تتجه البنوك التقليدية إلى الدخول بقوة فى منافسة شرسة مع شركات التكنولوجيا، والاستفادة من انخفاض التكاليف التشغيلية، وحتى لا تترك حصتها فى الخدمات المصرفية إلى اللاعبين الجدد فى الساحة.