نمو الناتج المحلى الإجمالى لا يعنى بالضرورة زيادة ثروات الشعوب
شهدت أكثر من 24 دولة انخفاضا فى نصيب الفرد من ثرواتها خلال العشرين عاما السابقة حتى عام 2014، وذلك بحسب محاولة البنك الدولى اﻷكثر شمولاً حتى الآن لإعداد «ميزانية» لأصول اﻷمم، حيث يسعى البنك لتقديم صورة أكثر شمولاً عن التقدم الاقتصادى من تلك التى تهتم ببيانات إجمالى الناتج المحلى وحده.
وقالت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، إن الدراسة التى أعدها البنك الدولى حددت 4 أنواع مختلفة من رأس المال لـ141 بلد بين عامى 1995 و2014، فهناك رأس المال المنتج، مثل الطرق والآلات والمبانى، ورأس المال البشرى، الذى يعتمد على تقدير القيمة الحالية لعائدات القوى العاملة فى المستقبل، ورأس المال المالى، الذى يعتمد على صافى اﻷصول اﻷجنبية، بجانب رأس المال الطبيعى، الذى يعتمد بشكل أساسى على موارد الطاقة الجوفية والمعادن والغابات واﻷراضى الزراعية.
وأظهرت المنهجية التى وضعها البنك الدولى زيادة كبيرة فى نصيب الفرد من الثروة فى آسيا خلال تلك السنوات الماضية، مدفوعة بتكوين رأس المال فى الصين والهند، بينما سجلت أفريقيا جنوب الصحراء تراجعاً بسيطاً فى نصيب الفرد من الثروة، ويرجع ذلك بحد كبير إلى الارتفاع المستمر فى معدل المواليد فى عدة دول مقابل الارتفاع فى الثروة اﻷسمية.
وقال بول كولير، أستاذ علوم الاقتصاد والسياسة العامة فى كلية «بلافاتنيك» الحكومية التابعة لجامعة «أكسفورد» البريطانية، إنه على الرغم من أرقام إجمالى الناتج المحلى اﻷكثر إيجابية، إلا أن البيانات أظهرت أن الدول اﻷفريقية أكثر فقراً من بقية دول العالم.
وقالت كريستالينا جورجيفا، الرئيسية التنفيذية لمجموعة البنك الدولى، إن منهجية البنك الدولى الجديدة أضافت للصورة المستمدة من إجمالى الناتج المحلى، الذى يوضح تدفقات الدخل والإنتاج فى فترة زمنية معينة دون إبداء أى معلومات عن اﻷصول البشرية والمادية والطبيعية المالية التى تتسبب فى هذا الدخل.
وأشار البنك إلى أن البيانات الخاصة بالثروات قدمت تدابير تطلعية من شأنها مساعدة الحكومات فى إدارة استراتيجيات التنمية بشكل أفضل، مما قد تكن عليه إذا اعتمدت تلك الحكومات على إجمالى الناتج المحلى.
وأضافت جورجيفا: «من الممكن استخدام هذه البيانات لتحقيق فهم أفضل حول ما الذى يحقق استدامة ثروات البلاد، مشيرة إلى أن بنجلاديش ورواندا وفيتنام تعتبر من الدول التى تستثمر فى اﻷشياء ذات القيمة.
وأضافت: «ما الذى يهم حقا هو استخدام الدول رؤوس أموالها الطبيعية بشكل جيد واستثمارها فى اﻷفراد فى المقام اﻷول، وبالتالى تحقيق تقدم فيما يخص نصيب الفرد من الثروة، ولكن إذا قررت أحد الدول إهدار الدخل من الموراد الطبيعية على الاستهلاك، فمن الممكن أن ينخفض نصيب الفرد من الثروة، حتى لو كان نمو إجمالى الناتج المالى جيداً”.
وتراجعت الدول ذات معدلات المواليد المرتفعة، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تجاوز النمو السكانى هناك الزيادة فى الثروة، لتشير بذلك جورجيفا إلى أن الصراع أيضاً يعد أحد طرق تدمير الثروة، خاصة رأس المال المنتج.
وعانت نيجيريا، التى ازدهر إجمالى ناتجها المحلى حتى الانخفاض الحاد فى أسعار البترول عام 2014، من انخفاضا فى نصيب الفرد من الثروة، نظراً لفشل الحكومات المتعاقبة فى استخدام عائدات البترول لتطوير البنية التحتية للبلاد، وذلك بحسب ما قاله كولير.
وشهدت زيمباوى أيضاً انخفاضاً حاداً فى الثروة، ويرجع ذلك بحد كبير إلى الانخفاض فى رأس المال البشرى الناتج عن معدلات البطالة المرتفعة فى البلاد وهجرة سكانها الأفضل تعليماً إلى جنوب أفريقيا واﻷماكن الأخرى.
وفى أوروبا، انخفض نصيب الفرد من الثروة فى اليونان، فى ظل تدهور وضعها المالى وارتفاع معدلات البطالة التى قوضت المكاسب المحتملة التى يجنيها العمال خلال حياتهم.
ويقول البنك الدولى أنه فى ظل تطور الأمم، فإن رأس المال الطبيعى يتحول إلى أشكال أخرى، مثل الطرق والمصانع والمستشفيات والمدارس والجامعات، لذلك تنخفض حصة رأس المال الطبيعى فى إجمالى الثروات، نظراً لارتفاع أهمية اﻷشكال اﻷخرى.
ويشكل رأس المال الطبيعى 3% فقط من إجمالى الثروة، حيث يعد رأس المال المنتج والبشرى هما الدافع الرئيسى للنمو فى دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ذات الدخل المرتفع، بينما يشكل 47% من إجمالى الثروة فى البلدان الفقيرة، وذلك بحسب تقرير البنك الدولى.
كتب: منى عوض