اقتصادنا يا تعبنا… الحلقة 70
لا شك أن الديون وخدماتها المتمثلة فى الفوائد المتراكمة عليها تمثل عبئاً كبيراً على كاهل الموازنة.. فإذا نزلنا بمستوى الفرد العادى المثقل بالديون، فسنجد أنه يعيش فى دوامة التفكير فى كيفية سدادها (يا رب أجيب منين وأودى فين).. فإما أن يعمل أكثر ليكسب أكثر، ويسدد وإما يبقى فى دوامة الديون بالسلف لأجل سداد السلف.. وتزداد الأعباء عليه دون أن يخرج من دوامتها..فما بالك بدولة مثل مصر تعانى من حجم الديون التى وصلت إليها، والأعباء المترتبة على سداد خدمة الدين فى ضوء عجز موازنة كبير نتيجة ضعف الإيرادات الحكومية فى مواجهة النفقات.. حيث وصل العجز فى الموازنة فى 2016/2017 نحو 358 مليار جنيه بنسبة 11% من الناتج المحلى الإجمالى.. وأعتقد أننا لن نصل هذا العام إلى المستهدف 9%؛ بسبب الآثار الاقتصادية السلبية للتعويم، وسعر الفائدة على فاتورة الإنفاق الحكومى.. وبصراحة أنا اشفق على الحكومة من حجم هذه الآثار، وكيفية تلافيها خلال الفترة القادمة، فى ظل ازدياد حجم القروض، وارتفاع تكلفة فوائد الدين، وضعف الإيرادات، وانخفاض الموارد الدولارية من التصدير والسياحة والاستثمار الأجنبى المباشر..
وتأتى مشكلة الديون وتكاليف خدمتها، وكذلك التضخم، وارتفاع معدلات سعر الفائدة من القضايا التى تؤرق الكثيرين، وتعطل مسيرة الإصلاح المالى والنقدى؛ لأنها قد تؤدى إلى تآكل جهود وثمار الإصلاح المالى والنقدى.. فى ظل ضعف أداء عجلة الإنتاج والتصدير.. فتخطى الديون (المحلية والخارجية) حاجز الـ110% من الناتج المحلى الإجمالى أمر يدعو جميع الأجهزة الحكومية للتكاتف وتنسيق الجهود لوضع خطة خفض تدريجى، هذا بالنسبة لمستويات تصل إلى 60 – 70% من الناتج المحلى الإجمالى.. حيث وصل الدين الخارجى إلى أكثر من 80 مليار دولار، ومتوقع أن يصل إلى 100 مليار دولار خلال عام 2018.. كما أن الدولة مطالبة بسداد ما يزيد على 12 مليار دولار خلال 2018 كالتزامات خارجية.. فى ضوء وجود احتياطيات دولية تخطت 38 مليار دولار، معظمها ديون والتزامات خارجية.. أى أن الفجوة التمويلية قد تطل من جديد، وبالتالى قد تستلزم تغطية الفاقد منها (وهى ديون والتزامات) بديون والتزامات أخرى..
فموازنة دولة تمثل الأجور والدعم وخدمة الدين حوالى 75- 80% منها هى موازنة مثقلة بالأعباء، ولا تفسح مجالاً للإنفاق الاستثمارى الحوكمى فى مجال الخدمات (صحة وتعليم ومرافق وبنية اساسية).. وينبغى إصلاحها بزيادة الموارد لا بزيادة الأعباء.. وزيادة الموارد لن تأتى إلا برفع معدلات الاستثمار لتصل إلى 25- 30% من الناتج المحلى الإجمالى.. التى لا تتخطى حالياً حاجز الـ10%.. فزيادة الاستثمار تعنى زيادة التشغيل والتوظيف والإنتاج والتجارة.. وبالتالى زيادة الموارد… هذا إلى جانب استغلال الدولة لأصولها غير المستغلة والتفكير خارج الصندوق فى كيفية تعظيم العائد من الأصول أو أموال الهيئات الاقتصادية الخاصة، وتشجيع الجهات الحكومية باستغلال هذه الأصول أو الأموال بالدخول بشراكات بينها وبين القطاع الخاص، دون أن تتجاوز حصصها حاجز الـ24%.. وأن تترك إدارة هذه الاستثمارات كفاءة القطاع الخاص لتدر ربحاً وموارد عليها لتقليل العبء على الموازنة العامة..
لا شك أن هناك مؤشرات إيجابية لحقل ظهر الذى يصل حجمه إلى 30 تريليون قدم مكعبة ببداية إنتاجه خلال عام 2018 وتقليل واردات من الغاز الطبيعى؛ حيث من المتوقع أن تصل تكلفة (1 تريليون قدم مكعبة) مليارات دولار، وهو على المدى الطويل سيقلل العبء على كاهل الموازنة العامة بتخفيف تكاليف استيراد الغاز الطبيعى.. والدرس المستفاد هنا أن الدولة قللت الاستيراد بالاستثمار المؤدى للإنتاج المحلى من الغاز.. وبالتالى لتقليل الفجوة فى الميزان التجارى (صادرات – واردات) كان الاستثمار المؤدى للإنتاج هو الحل المباشر لتوفير الغاز وغير المباشر لتوفير الموارد.. وبالتالى ينبغى البحث عن الحلول غير المباشرة لتقليل عجز الموازنة بالاستثمار والإنتاج..
لذلك، أفضل سبيل لعلاج عجز الموازنة وضعف الإيرادات هو تشجيع الاستثمار المحلى والأجنبى فى القطاعات التى تحتل مراكز متقدمة فى خانة الاستيراد والحد منها لصالح لوازم الإنتاج من السلع والخدمات الأولية والوسيطة.. بشرط رفع معدلات الجودة حتى تكون بديلاً للمستورد.. وذلك سيقلل من قيم الاستيراد المرتفعة، وبالتالى الطلب على الدولار.. وأركز على الاستثمار الخاص المحلى بمزيد من الاستثمارات الجديدة والتوسعات.. لأنه يمثل نحو 70 – 75% من جملة الاستثمار الخاصة، كما أنه مرآتنا أمام المستثمر الأجنبى الذى يتطلع للاستثمار فى مصر.. وعنصر جذب مهم للاستثمار الأجنبى المباشر..
لذا ينبغى، العمل المستمر على تحسين بيئة الاستثمار، وعودة الثقة بين القطاع الخاص والحكومة، وإفساح المجال نمو القطاع الخاص، وحل مشاكل الاستثمار، وخفض تكلفة التمويل، وحل مشاكل البيروقراطية، والحد من الفساد من خلال الميكنة وتطوير الجهاز الإدارى (بشرياً وإدارياً) وتحسين ترتيب مصر فى المؤشرات الدولية وتحسين مستمر لمؤشرات الاقتصاد الكلى واحترام الحكومة لتعهداتها، ووضوح سياساتها الكلية وتمتعها بالاستقرار كلها عوامل تساعد على خلق بيئة مشجعة للاستثمار المحلى قبل الأجنبى.. فصدور قوانين مثل الاستثمار والإفلاس والتراخيص وتعديل قوانين الشركات وسوق المال وبعض القوانين الأخرى خطوات مهمة ويبقى عنصر التطبيق لها على أرض الواقع هو المحك الرئيسى بتنسيق جيد مع الجهات الحكومية المعنية..
وما نبغى إلا إصلاحاً وتوعية..