سياسة غير مسئولة للبنك المركزى الأوروبى


بقلم: جورجن ستارك

عضو سابق فى المجلس التنفيذى للمركزى الأوروبى
أظهر الهبوط الحاد الوجيز لمؤشر «داو جونز» الصناعى مؤخرا بحوالى 1600 نقطة أساس مدى إدمان الأسواق المالية واللاعبين الاقتصاديين للسياسة النقدية التوسعية، وصنعت أسعار الفائدة المنخفضة وبرامج التيسير الكمى المستمرين منذ وقت طويل حوافز للمستثمرين لتحمل مخاطر غير محسوبة بالقدر الكافى، وكلما استمرت هذه السياسات، سيزداد التهديد للاستقرار المالى العالمى.
وفى الواقع أصبحت السياسة النقدية شديدة التيسير غير مناسبة منذ وقت طويل، ويختبر الاقتصاد العالمى – خاصة العالم المتقدم – تعافيا قويا بشكل متزايد ويرى صندوق النقد الدولي، فى أحدث تقرير له عن «آفاق الاقتصاد العالمي»، أن النمو الاقتصادى سوف يتواصل فى الأرباع القليلة المقبلة خاصة فى الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
ومع ذلك، تخشى المؤسسات الدولية، ومن بينها صندوق النقد الدولى من التصحيح المفاجئ فى الأسواق، والذى ينشأ من التغير فى توقعات التضخم أو أسعار الفائدة، وتؤكد أن السياسة النقدية ينبغى تشديدها ببطء شديد، وبالتالى تواصل البنوك المركزية تأجيل تطبيع السياسة النقدية، والنتيجة أن أسعار الأصول سترتفع، صانعة تشوهات سوقية كبيرة، والتى بدورها تجعل حركات التصحيح حتمية.
وتحرك الاحتياطى الفيدرالى بعيداً عن التوسع النقدى منذ أواخر 2013، عندما بدأ يمضى باتجاه تقليل وبالنهاية وقف مشتريات السندات وتقليص ميزانيته، ومنذ نهاية 2015، تم رفع أسعار الفائدة إلى 1.5%.
ومع ذلك، لا تزال سياسة الفيدرالى بعيدة عن الطبيعية، وبالنظر إلى المرحلة المتقدمة للدورة الاقتصادية، والتوقعات بنمو اسمى بأكثر من 4%، وانخفاض البطالة، فقد تخطى الفيدرالى بالفعل نقطة التخلص من السياسة الميسرة.
ولا تزال البنوك المركزية الأخرى فى الاقتصادات المتقدمة عالقة فى مزاج الأزمات العنيفة، ولم يبد البنك المركزى اليابانى ولا البنك المركزى الأوروبى أى إشارة إلى أنهما سوف يضيقان السياسة النقدية، رغم أن الأحوال الاقتصادية اليوم مختلفة تماما عن تلك التى سادت أثناء الأزمة وفى الركود اللاحق للتعافى فى منطقة اليورو.
ويدافع البنك المركزى الأوروبى عن سياسة الفائدة المنخفضة من خلال التعلل بالمخاطر الانكماشية أو التضخم الذى يقف دون المستوى المستهدف، ولكن الحقيقة هى أن مخاطر التضخم «السيء» – أى دوامة الانخفاض فى الأسعار والأجور والأداء الاقتصادى والتى تغذى نفسها بنفسها – لم تكن موجودة إطلاقا فى منطقة اليورو بأكملها، وكان واضحا منذ 2014 أن الانخفاض الحاد فى التضخم يرتبط بالتراجع فى أسعار الطاقة والمواد الخام.
وباختصار، لم يكن يتعين على البنك المركزى الأوروبى اعتبار التضخم المنخفض كوضع دائم أو حتى طويل المدى يتطلب استجابة سياسية عنيفة، وتكمن المشكلة فى أن المسئولين فى المركزى الأوروبى أصبحوا يركزون بشكل مفرط على مقابلة مستوى التضخم المستهدف على المدى القصير والذى يعرف بأنه أدنى قليلا أو قريب من 2%، وكان لديهم هدف محدد عند 1.9%.
وعلاوة على ذلك، لا تتماشى سياسة المركزى الأوروبى مع الواقع الاقتصادي، فمنطقة اليورو، كسائر الاقتصاد العالمي، تختبر تعافيا قويا، ومع ذلك، سوف يستخدم المركزى الأوروبى الاضطرابات الأخيرة فى أسواق الأسهم كدليل على ضرورة مواصلة سياساته الحالية.
ورغم أن مجلس إدارة المركزى الأوروبى يبدو مقتنعا بأن السياسات التوسعية حيوية لدعم نمو الناتج المحلى الإجمالى والعمالة، وللسيطرة على الانكماش، فإن هذا الأمر غير مؤكد، وفى الواقع فإن تأثير هذه السياسات على التعافى يمكن قياسه بشكل موثوق، وسيكون على الأرجح متواضعا، وبالتأكيد لا يساوى المبلغ المنفق على مشتريات الأصول منذ أبريل 2015 والذى يبلغ 2.3 تريليون يورو، ناهيكم عن التداعيات الأخرى لأسعار الفائدة الصفرية أو السلبية.
ومن بين هذه التداعيات أن أسعار الفائدة للمركزى الأوروبى فقدت وظيفتها التوجيهية، وأن المخاطر لم يعد تقييمها بقدر صحيح، ما يقود إلى سوء توزيع للموارد وزيادة نسب الاستدانة فى البنوك والشركات، وهو ما أخر تقليص معدلات ديونها، بالإضافة إلى تشوه سوق السندات بشكل كامل، وتأجيل تحسين الوضع المالى فى الدول عالية الاستدانة.
وبالتالي، فإن فوائد سياسة البنك المركزى الأوروبى مشكوك فيها، فى حين أن مساوئها لا جدال فيها، وببساطة تعد سياسته الحالية غير مسئولة، وكذلك عدم وجود أى خطة لتغييرها.
واليوم أصبحت السياسة النقدية خاضعة للسياسة المالية، فى ظل مواجهة البنوك المركزية ضغوطا سياسية متزايدة للإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة بقدر كبير، وكما أثبتت الاضطرابات الأخيرة فى سوق الأسهم، فإن هذه السياسات ترفع مخاطر عدم الاستقرار المالى بقدر كبير، وعندما تحدث حركات تصحيح أكثر حدة فى الأسواق، وتؤثر على الاقتصاد الحقيقى، فما هى الأدوات التى تبقت للبنوك المركزية حتى يستخدمونها؟

 

إعداد: رحمة عبدالعزيز

المصدر: موقع «بروجكت سينديكيت»

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية



نرشح لك


https://alborsanews.com/2018/02/25/1087487