إلى أين سيأخذنا عام 2018؟ مما لا شك فيه أن هذا هو السؤال المحورى الذى نطرحه على أنفسنا جميعاً فى هذه الأيام بعد رياح 2017 العاتية، أى السنة التى شهدت تداعيات تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016 بأوجهها المختلفة وظهرت بها تأثيرات القرارات الأخرى التى اتخذتها الحكومة تحت مظلة برنامج الإصلاح الاقتصادى بالتعاون مع صندوق النقد الدولى فى إطار شروط القرض الذى حصلت عليه الحكومة المصرية من الصندوق والبالغ 12 مليار دولار يُصرف على 6 شرائح يأتى آخرها فى مارس 2019 وتسلمت مصر منه حتى الآن نصفه على 3 دفعات.
وسنناقش هنا وفى المقالات الـ4 القادمة أهم ما نحن مقبلين عليه فى ما تبقى من العام الجارى بناءً على ما ورد بتصريحات سوبير لال، رئيس بعثة مصر فى صندوق النقد الدولى نهاية شهر يناير الماضى، والتى يُمكن تلخيصها كالآتى:
• إنشاء آلية جديدة لضبط أسعار الوقود دورياً مع مراعاة تغييرات سعر الصرف وكذا تقلبات أسواق النفط العالمية وهو ما سيتتبع – إن تم بالفعل – ليس فقط زيادة جديدة فى أسعار المحروقات بحلول شهر ديسمبر على أقصى تقدير، ولكن أيضاً إعادة هيكلة جذرية لسوق الوقود المصرى الذى سيتخذ حينها شكل مختلف تماماً عن كل ما عرفناه فى الماضى وبصرف النظر عن أسعار منتجاته.
• رفع مسودة قانون البنوك الجديد إلى مجلس الوزراء بنهاية يونيو القادم بهدف تعزيز وتحديث الإطار التشريعى للعمل المصرفى امتداداً لخطوات اتخذتها الحكومة مؤخراً بالفعل لتحسين نظم الحوكمة والشفافية وزيادة مستويات الشمول المالى بالبنوك وإن كان هذا الأمر يُنذر من جانب آخر بصدام مُحتمل جديد ما بين الحكومة وكبريات البنوك التى ترى فى بعض بنود القانون المقترح تدخل غير مقبول فى شئون إدارتها على غرار ما حدث العام الماضى عندما أراد البنك المركزى تقييد فترة قضاء الرؤساء التنفيذيين للبنوك بمدة تسعة سنوات كحد أقصى قبل إجباره على التراجع فى ساحات المحاكم.
• تأسيس لجنة مشتركة ما بين وزارة المالية والبنك المركزى لإدارة السيولة والتنبؤ بها وتحليل أنماط الإيرادات والنفقات والاحتياجات التمويلية وهو على ما يبدو يستهدف فى الأساس معالجة الصداع المزمن المتمثل فى فوضى الإنفاق العام وما شاهدناه فى الفترة الماضية من سوء تقدير لشكل التطورات المستقبلية كانت نتيجته فجوات تمويلية مفاجئة وكبيرة.
• تغطية برامج المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمبلغ 45 مليار جنيه لزيادة كفاءة فرس رهان الحكومة للخروج من المأزق الحالى ودفع عجلة الحراك الاقتصادى إلى الأمام وهو ما يعى المسئولين جيداً أنه مرتبط بمجموعة كبيرة من العناصر الإدارية واللوجيستية تتعدى كثيراً مجرد توفير رؤوس الأموال ويأتى على رأسها دعم القوى الشرائية لتصريف منتجات تلك المشروعات والحفاظ على ربحيتها.
• فصل السلطة التنظيمية للنقل العام عن وزارة النقل وإنشاء جهاز تنظيم النقل المستقل فى يونيو 2018 وهو ما ربما يكون مقدمة لخصخصة أجزاء من النقل العام، خاصة بالنظر إلى اقتحام شركات قطاع خاص مصرية وأجنبية لمجال النقل الجماعى مؤخراً وهى تشكو بالفعل من التعقيدات الإدارية التى تواجهها وصعوبة التعامل مع السوق المصرى على خلفية تعدد الجهات المسئولة وتضارب الاختصاصات.
• الانتهاء من وضع خطة الطروحات الحكومية لزيادة رأسمال الشركات العامة من خلال البورصة أو وسائل أخرى قد تتضمن بيع أنصبة منها بأحجام مختلفة للمستثمرين وبما سيؤدى أيضاً إلى شكل من أشكال الخصخصة، وإن كانت غير ظاهرة للعيان فى جميع الأحوال، ولكن غايتها النهائية واضحة لما كانت تتبع نهجاً نعرفه جيداً منذ أن رأيناه للمرة الأولى فى عصر حكومة د/عاطف عبيد.
• الانتهاء من تقرير أوضاع المؤسسات المملوكة للدولة لتحسين التنافسية وإتاحة أدوات محاسبة شركات القطاع العام وهى بالطبع خطوة ضرورية إن كنا نريد حقاً وقف النزيف المستمر للمال العام وصرف مبالغ طائلة على شركات منعدمة الكفاءة تقريباً دون أن تكون هناك أى آلية واضحة تمكننا حتى من الوقوف على أسباب ذلك وهو ما لا أعتقد أن الاقتصاد المصرى يحتمله فى هذه الأيام، وبذلك نُنهى هنا مقدمة المقالات الـ4 ونرجئ بقية الحديث لما سيأتى.
بقلم: محمد شيرين الهوارى
الخبير فى الاقتصاد السياسى