
«وَماذا بمِصْرَ مِنَ المُضْحِكاتِ.. وَلَكِنّهُ ضَحِكٌ كالبُكَا».
تذكرت بيت الشعر الفصيح للشاعر أبوالطيّب المتنبى، عندما قرأت تقرير حديث صادر عن وكالة «بلومبرج» الأمريكية بشأن النمو السكانى فى مصر، المضحك المبكى أن التقرير أرجع السبب الرئيسى لارتفاع عدد المواليد فى مصر هو تعبير المصريين عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسنى مبارك فى 2011 بالفرحة والشعور ببهجة الانتصار عن طريق الإنجاب.
وعلى سبيل «الفشخرة» والابتهاج بالثورة، ارتفع عدد المواليد فى مصر بنحو 11 مليون طفل خلال 7 سنوات، هذه الزيادة الضخمة فى النمو السكانى تعادل عدد سكان دولة اليونان، لذلك أدعوكم لقراءة ما تحمله أرقام الحالة السكانية فى مصر من تداعيات سلبية تؤثر بقوة على التنمية، وشعور المواطن بالنتائج الإيجابية لخطة الإصلاح الاقتصادى فى ضوء قنبلة الانفجار السكانى.
بصفة عامة، يعنى النمو السكانى بأبسط معانيه الفرق بين معدل المواليد ومعدل الوفيات، ويُعرف هذا الفرق باسم معدل الزيادة الطبيعية، فقد شهد عدد سكان العالم تزايداً مطرداً نتيجة انخفاض معدلات الوفيات مع بقاء معدلات المواليد مرتفعة، كذلك كان من نتائج التقدم الكبير فى الطب والعلاج أن ارتفع متوسط العمر إلى أعلى من 65 عاماً، بعد أن كان منذ 100 سنة لا يتجاوز 40 عاماً.
بالعودة مرة أخرى إلى تقرير وكالة بلومبرج، أشار إلى أن معدلات المواليد المرتفعة قد تكون من العواقب المستمرة غير المتوقعة للربيع العربى فى مصر، حيث ارتفع عدد السكان بنحو 11 مليون نسمة فى فترة لا تزيد على 7 سنوات، كما رتفع معدل الخصوبة إلى 3.5 طفل لكل امرأة، وذلك بدلاً من الانخفاض المتدرج الذى تستهدفه الحكومة إلى 2.1.
وذكر التقرير، أن طفرة المواليد الأخيرة سوف تؤدى إلى ارتفاع أعداد الباحثين عن العمل لجيل على الأقل فى المستقبل، وأن مصر الآن تخاطر بالتحول أكثر إلى فئة الدول التى يزداد فيها معدل الشباب من إجمالى عدد السكان، وسيكون هؤلاء الشباب أقل قدرة على ممارسة الديمقراطية، وأكثر عرضة للحكم الاستبدادى والعنف السياسى.
وبغض النظر عن بعض الاستنتاجات التى وردت فى تقرير وكالة بلومبرج، يجب أن ندرك أن الزيادة السكانية الرهيبة فى مصر هى قنبلة موقوتة تدفع للسير قدماً بسرعة الصاروخ نحو كارثة محققة، ولكى ندرك مدى خطورة المشكلة السكانية، يكفى العلم بأن عدد السكان قد ارتفع 4 أضعاف ونصف عما كان عليه عام 1952.
لعل من المفيد أن نرجع إلى أرقام موثقة بشأن قضية النمو السكانى فى مصر، لذلك سوف استند إلى بيانات تعداد السكان 2006-2017، وأطرح بعض الدلالات التى تساهم فى شرح أبعاد المشكلة السكانية، وتأثيرها على التنمية.
ارتفع عدد السكان فى مصر من 72.6 مليون نسمة عام 2006 إلى 94.8 نسمة عام 2017 بمعدل نمو سنوى قدره 2.56%، ويعتبر المجتمع المصرى مجتمعاً فتياً، حيث تشكل الفئة العمرية (أقل من 15 سنة) حوالى ثلث السكان بنسبة 34.2% عام 2017 مقابل 31.7% عام 2006، كما بلغت نسبة الشباب فى الفئة العمرية (15 – 29 سنة) 26.8% مقابل 31.3% عام 2006، أما نسبة السكان فى سن العمل (15 – 64 سنة) فقد سجلت أعلى نسبة من إجمالى السكان حيث تبلغ 61.9% عام 2017 مقابل 64.5% عام 2006.
كما أشار تقرير تعداد 2017 إلى ظاهرة خطيرة عن التسرب من التعليم، فقد أشار إلى أن نسبة الأفراد المتسربين من التعليم فى المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية بلغ نحو 7.3%، وأن 26.8% لم يلتحقوا بالتعليم مطلقاً.
ترجع أسباب عدم الالتحاق أو التسرب من التعليم إلى عدم رغبة الفرد أو الأسرة فى التعليم، وللظروف المالية للأسرة، ولتكرار الرسوب أو صعوبة الوصول للمدرسة.
ومع الزيادة السكانية فى مصر بلغ مستوى الفقر نحو 27.8% على مستوى الجمهورية ككل، بينما تميز الصعيد بمستوى فقر بلغ أكثر من 50%، وتزداد المشكلة تعقيداً إذا اقترن مستوى الفقر مع الأمية التى تصل حالياً إلى 25.8% عام 2017 مقابل 29.7% عام 2006، أما معدل البطالة فقد بلغت نسبتها 11.9% من قوة العمل وليس تعداد السكان، حيث أن هناك أكثر من 29.47 مليون نسمة هم قوة العمل فى مصر.
أن الزيادة السكانية الكبيرة ينعكس تأثيرها على خطط النمو، حيث تكون الحكومة ملتزمة بتوجيه الموارد المالية فى الموازنة العامة للدولة إلى نواحى الصحة والتعليم والمرافق والمواصلات، لكى تستوعب الضغوط الناتجة عن تلك الزيادة.
وافتراض تحييد العوامل الأخرى التى تؤثر على شعور المواطن بنتائج الإصلاح الاقتصادى، سوف تلتهم الذيادة السكانية معظم النتائج الإيجابية التى يحققها الاقتصاد المصرى فى مسيرة الإصلاح، وبالتالى لن يشعر المواطن بأى تحسن فى ظروف المعيشة، وسوف تستمر معاناته مع الظروف المعيشية الصعبة.
إذن ينبغى أن تضع الدولة على سلم أولوياتها استراتيجيات واضحة قابلة للتنفيذ لمعالجة كارثة الزيادة السكانية، والاسترشاد بالتجارب الناجحة لدول أخرى لديها كثافة سكانية كبيرة مثل الهند والصين وماليزيا استطاعت تحويل المشكلة إلى مورد هام يوظف فى تحقيق التنمية.
فلا ينبغى النظر دائماً إلى أن الزيادة السكانية هى المشكلة الرئيسية والعقبة أمام تحقيق التنمية، إلا إذا لم تضع الدول الاستراتيجيات الفعالة للاستفادة من السكان باعتبارهم من أهم موارد الدول، ويجب ألا يتم إعداد الاستراتيجيات بمعزل عن استراتيجيات التعليم والصحة والاستثمار وغيرها فهى جميعاً تتكامل مع بعض.
فعلى سبيل المثال، تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وكان عدد سكان فى ذلك الوقت 541.67 مليون نسمة، شهد عدد السكان فى الصين ازدياداً سريعاً حتى عام 1969 حيث وصل إلى 806.71 مليون نسمة، وفى السبعينيات من القرن الماضى شرعت الصين فى تنفيذ سياسة تنظيم الأسرة للتحكم فى الزيادة السكانية لمواجهة المشكلة السكانية المتفاقمة.
ويبلغ عدد السكان وفقاً لأحدث تعداد فى 2015 نحو 1.371 مليار نسمة، ومع ذلك تحقق الصين معدل نمو اقتصادى بلغ 10% خلال آخر 10 أعوام.
وتعتبر الصين سياسة تنظيم الأسرة من أهم سياسات الدولة، وتنفذ من خلال القوانين واللوائح والتثقيف المجتمعى فى أمور مثل التشجيع على تأخير الزواج وتأخير الإنجاب وإنجاب أطفال أقل عدداً وتشجيع كل زوجين على إنجاب طفل واحد، وفى الأرياف، يمكن للأسرة أن تنجب طفلاً ثانياً بعد بضع سنوات.
أما الهند، فيبلغ عدد السكان نحو 1.2 مليار نسمة، وبحسب دراسات الأمم المتحدة تكون مرشحة لاحتلال المركز الأول مستقبلاً فى عدد السكان بحلول عام 2022، وعلى الرغم من ارتفاع نسبة الفقراء حيث يمثل الفقراء حوالى 25% من السكان، تمكنت الهند من الاستفادة من الثروة البشرية فى عملية التنمية، ولديها أكبر عدد من المتخصصين حول العالم فى مجالات كثيرة، كما أن الاقتصاد الهندى يعد سادس أكبر اقتصاد فى العالم من، حيث الناتج الإجمالى المحلى وأسرع اقتصاد نمواً فى العالم.
وأنى أهيب بالمجلس الأعلى للسكان، أن يتيح للعامة الاطلاع على الاستراتيجيات والتطبيقات التى تعالج المشكلة السكانية وفقاً لأطر زمنية محددة، فنحن أمام زيادة سكانية كبيرة، إذا لم تستطيع الحكومة الحد منها، يجب استغلالها فى التنمية، وإلا أصبحت كارثة كبرى سوف يدفع ثمنها الأجيال القادمة.
اللهم فاشهد!